الثلاثاء، 20 أغسطس 2013


مختارات من كتاب
تعليم التفكير
مفاهيم وتطبيقات
د. فتحي عبد الرحمن جروان

برامج تعليم مهارات التفكير:/32(تعليم التفكير)
تتنوع برامج تعليم التفكير ومهاراته بحسب الاتجاهات النظرية والتجريبية التي تناولت موضوع التفكير. ومهاراته نورد ما يلي:
1- برامج العمليات المعرفية Cognitive Operations
تركز هذه البرامج على العمليات أو المهارات المعرفية للتفكير مثل المقارنة والتصنيف والاستنتاج، نظراً لكونها أساسية في اكتساب المعرفة ومعالجة المعلومات. وتهدف هذه البرامج إلى تطوير العمليات المعرفية وتدعيمها كطريقة يمكن من خلالها تطوير القدرة على التفكير. ومن بين البرامج المعروفة التي تمثل اتجاه العمليات المعرفية برنامج " البناء العقلي لجيلفورد " الذي طورته الباحثة ميكر ( Meeker, 1969 ) وبرنامج " فيورستين التعليمي الاغنائي " ( Feuerstein, 1980 ).(تعليم التفكير)
2- برامج العمليات فوق المعرفية Metacognitive Operations
تركز هذه البرامج على التفكير كموضوع قائم بذاته، وعلى تعليم مهارات التفكير فوق المعرفية التي تسيطر على العمليات المعرفية وتديرها، ومن أهمها التخطيط والمراقبة والتقييم. وتهدف إلى تشجيع الطلبة على التفكير حول تفكيرهم – Thinking about Thinking ، والتعلم من الآخرين، وزيادة الوعي بعمليات التفكير الذاتية، ومن أبرز البرامج الممثلة لهذا الاتجاه برنامج " الفلسفة للأطفال " ( Lipman, 1991 ) وبرنامج " المهارات فوق المعرفية ".(تعليم التفكير)
3- برامج المعالجة اللغوية والرمزية Languaga and Symbolic Manipulation
تركز هذه البرامج على الأنظمة اللغوية والرمزية كوسائل للتفكير والتعبير عن نتاجات التفكير معا. وتهدف إلى تنمية مهارات التفكير في الكتابة، والتحليل والحجج المنطقية، وبرامج الحاسوب وتعني بصورة خاصة بنتاجات التفكير المعقدة كالكتابة الأدبية وبرامج التعليمية التي تقع ضمن هذا الاتجاه برامج " الحاسوب اللغوية والرياضية " ( Caillot, 1991 ).(تعليم التفكير)
4- برامج التعلم بالاكتشاف Heuristic – Oriented Learning
تؤكد هذه البرامج على أهمية تعليم أساليب واستراتيجيات محددة للتعامل مع المشكلات، وتهدف إلى تزويد الطلبة بعدة استراتيجيات لحل المشكلات في المجالات المعرفية المختلفة، والتي يمكن تطبيقها بعد توعية الطلبة بالشروط الخاصة الملائمة لكل مجال.(تعليم التفكير)
وتضم هذه الاستراتيجيات: التخطيط، إعادة بناء المشكلة، تمثيل المشكلة بالرموز أو الصور أو الرسم البياني. والبرهان على صحة الحل. ومن البرامج الممثلة لهذا الاتجاه برنامج " كورت لديبونو " وبرنامج Covington et al, 1974 ) لطلبة المرحلة الابتدائية في مستوى الصفين الخامس والسادس.(تعليم التفكير)
5- برامج تعليم التفكير المنهجي Formal Thinking
تتبنى هذه البرامج منحى بياجيه في التطور المعرفي. وتهدف إلى تزويد الطلبة بالخبرات والتدريبات التي تنقلهم من مرحلة العمليات المادية إلى مرحلة العمليات المجردة التي يبدأ فيها تطور التفكير المنطقي والعلمي وتركز على الاستكشاف ومهارات التفكير والاستدلال والتعرف على العلاقات ضمن محتوى المواد الدراسية التقليدية. وقد طورت برامج تمثل هذا الاتجاه لطلبة السنة الأولى في جامعة نبراسكا وبعض كليات المجتمع في ولاية الينيو بالولايات المتحدة.(تعليم التفكير)
ومن بين أشهر برامج تعليم التفكير ومهاراته نذكر ما يأتي:
الجدول رقم 1-1 /33(تعليم التفكير)
قائمة بأشهر البرامج التربوية التي طورت بهدف تعليم التفكير ومهاراته
1- الحل الإبداعي للمشكلات لأوسبورن Osborn's Creative Problem Solving
2- مهارات التفكير لتابا Tabas Thinking Skills
3- البناء العقلي لجيلفورد Guilford's Structure of Intellect ( SOLI)
4- برنامج كورت لديبونو de Bonos Congnitive Research Trust ( CoRT )
5- برنامج التفاعل المعرفي الانفعالي لوليام Williams Cognitive-Affective Interactive Program
6- برنامج الفلسفة للأطفال للبمان Lipmans Philosophy for Children
7- برنامج فيورستين التعليمي الاغنائي Feuersteins Instructional Enrichment Program
ولإعطاء صورة موجزة عن طبيعة برامج تعليم التفكير، نقدم نموذجاً لأحد أشهر البرامج المطبقة في كثير من دول العالم وهو " برنامج ديبونو لتعليم التفكير ".(تعليم التفكير)
برنامج ديبونو لتعليم التفكير de Bono Thinking Program ( CoRT ) :/34(تعليم التفكير)
ربما كان ديبونو من أبرز علماء التفكير الذين يدافعون بقوة عن منهجية تدريس مهارات التفكير أو أدواته بطريقة مباشرة، مستنداً بذلك إلى نتائج الدراسات والتطبيقات التي أجريت على برنامجه في كثير من دول العالم في مجالات التربية والإدارة والصناعة De Bono, 1984, 1986 ) ).(تعليم التفكير)
أولاً: خصائص البرنامج:/34(تعليم التفكير)
يتميز برنامج ديبونو المعروف بـ CoRT المشتقة من اسم مؤسسته المعنية بنشر وتطوير البرنامج Cognitive Research Trust بما يلي:
1- يمكن تطبيق البرنامج بصورة مستقلة عن محتوى المواد الدراسية، وهذا هو الاتجاه الذي يتخذه ديبونو. كما يمكن الاستفادة منه في إطار المواد الدراسية عن طريق اختبار مواقف ومشكلات دراسية من محتوى المنهاج.(تعليم التفكير)
2- يصلح البرنامج للاستخدام في مستويات الدراسة المختلفة بدءاً من المرحلة الابتدائية أو الأساسية مروراً بالمرحلة الثانوية وانتهاء بالمرحلة الجامعية.(تعليم التفكير)
3- البرنامج مصمم على شكل دروس أو وحدات مستقلة تخدم كل منها أهدافا محددة، مما يسهل على المعلمين فهمها وتقديمها للطلبة بصورة متدرجة.(تعليم التفكير)
4- البرنامج متكامل من حيث وضوح أهدافه وأساليب تعليمه والمواد التعليمية اللازمة والدروس النموذجية التي يشتمل عليها.(تعليم التفكير)
5- يتضمن البرنامج كثيراً من الأمثلة المشتقة من الحياة العملية والتي تحقق شرط الإثارة والاهتمام لدى الطلبة.(تعليم التفكير)
6- يتوافر البرنامج في الأسواق، مما يسهل عملية الحصول عليه للراغبين في استخدامه.(تعليم التفكير)
7- بساطة تصميم البرنامج وسهولة تنفيذه إذا توافرت المواد الأصلية وتمت ترجمتها إلى اللغة العربية.(تعليم التفكير)
8- لا يحتاج كل درس من دروس البرنامج الستين أكثر من 45 دقيقة، مما يجعل أمر تطبيقه في الحصص الصفية سهلاً، لأن طول فترة الحصة عادة في معظم المدارس هو 45 دقيقة.(تعليم التفكير)
9- يتوافر عدد كاف من أدوات التقييم اللازمة لفحص مستوى التغير في تفكير الطلبة بعد تطبيق البرنامج.(تعليم التفكير)
10- يمكن استخدام البرنامج بغض النظر عن مستويات الطلبة أو تصنيفاتهم حسب قدراتهم العقلية.(تعليم التفكير)
ثانياً: وصف البرنامج ومكوناته:/35(تعليم التفكير)
يتكون برنامج " كورت " CoRT من ست وحدات تعليمية تعطي جوانب عديدة للتفكير، وتتألف كل وحدة من عشرة دروس صممت بحيث يغطي كل منها خلال حصة صفية تمتد إلى 35قريباً. وقد طبق البرنامج على طلبة تتراوح أعمارهم من 8 سنوات إلى 22 سنة. وقد توزعت دروس البرنامج على الوحدات الستة الآتية:
الوحدة الأولى: توسيع الإدراك:/35(تعليم التفكير)
وتعنى بتدريب الطلبة على التفكير في جميع جوانب الموقف بكل الطرق الممكنة، وبأخذ النتائج المترتبة على كل اختبار بالنظر إلى الأهداف المتحققة. ويقترح ديبونو أن تدرس هذه الوحدة في بداية البرنامج، بينما يمكن تدريس الوحدات الأخرى بأي ترتيب.(تعليم التفكير)

الوحدة الثانية: التنظيم:/35(تعليم التفكير)
تعنى بتوجيه انتباه الطلبة بفاعلية وبصورة منتظمة، مع التركيز على الموقف.(تعليم التفكير)
الوحدة الثالثة: التفاعل:/35(تعليم التفكير)
تعنى بالمسائل المتعلقة بكفاية الأدلة والحجج المنطقية.(تعليم التفكير)
الوحدة الرابعة: الإبداع:/35(تعليم التفكير)
تعرض عددا من استراتيجيات توليد الأفكار ومراجعتها وتقييمها.(تعليم التفكير)
الوحدة الخامسة: المعلومات والمشاعر:/35(تعليم التفكير)
تعنى بالعوامل الانفعالية المؤثرة على التفكير.(تعليم التفكير)
الوحدة السادسة: العمل:/36(تعليم التفكير)
تعنى بتقديم إطار عام لمعالجة المشكلات، سواء بربط الاستراتيجيات التي عرضت في الدروس السابقة أو بأخذها على انفراد.(تعليم التفكير)
ولإعطاء صورة أوضح لمكونات الوحدات، نعرض فيما يلي للدروس المتضمنة في الوحدة الأولى:
الدرس الأول: الإيجابيات، السلبيات، عناصر الاهتمام (PMI):/36(تعليم التفكير)
( PIus, Minus, & Interest )
يتضمن إبراز الجوانب الإيجابية والسلبية والمثيرة للاهتمام في كل موقف أو فكرة.(تعليم التفكير)
الدرس الثاني: أعتبر كل العناصر (CAF):/36(تعليم التفكير)
( Consider ALL Factors )
يتضمن اكتشاف كل العناصر المرتبطة بالموقف قبل التوصل إلى استنتاج أو فكرة حوله.(تعليم التفكير)
الدرس الثالث: القواعد Rules :/36(تعليم التفكير)
يوفر فرصا لاستخدام مهارتي الدرسين الأول والثاني (PMI و CAF ).(تعليم التفكير)
الدرس الرابع: المترتبات والعواقب (C&S):/36(تعليم التفكير)
( Consequences & Sequel )
يعنى بدراسة المترتبات على اتخاذ قرار على المدى القصير والمتوسط والبعيد.(تعليم التفكير)
الدرس الخامس: الأهداف والغايات (AGO):/36(تعليم التفكير)
( Aims, Goals, & Objectives )
يؤكد على أهمية الأهداف عن طريق دراسة الأسباب والمبررات.(تعليم التفكير)
الدرس السادس: التخطيط (Planning):/36(تعليم التفكير)
يهيئ فرصا لاستخدام أدوات التفكير التي عرضت، وخاصة ( AGO ) و ( C & S ).(تعليم التفكير)
الدرس السابع: ترتيب اولويات المهمة (FIP)36(تعليم التفكير)
( FIsrst Important Priorties )
يعنى بتركيز الانتباه على ترتيب الأولويات بعد توليد الخيارات المحتملة.(تعليم التفكير)
الدرس الثامن: البدائل والاحتمالات والاختيارات ( APC ):/37(تعليم التفكير)
( Alternatives, Possibilities, & Choices )
يشجع الطلبة على توليد احتمالات غير تلك المريحة أو السهلة، وذلك لحلحلة الجمود والردود العاطفية في التفكير.(تعليم التفكير)
الدرس التاسع: القرارات ( Decisions ):/37(تعليم التفكير)
يتيح الفرصة لممارسة أدوات (APC) و (FIP) على وجه الخصوص.(تعليم التفكير)
الدرس العاشر: وجهة النظر الأخرى (OPV):/37(تعليم التفكير)
( Other Point of View )
يوجه اهتمام الطلبة لاعتبار وجهات انظر الآخرين، حتى يتحقق نوع من التوازن مع الدروس السابقة التي تركزت على موقف الفرد ذاته، وهنا يتم التأكد على الفروق بين وجهات النظر المختلفة.(تعليم التفكير)

تعريف التفكير :/43(تعليم التفكير)
التفكير في أبسط تعريف له عبارة عن سلسلة من النشاطات العقلية التي يقوم بها الدماغ عندما يتعرض لمثير يتم استقباله عن طريق واحدة أو أكثر من الحواس الخمسة : اللمس والبصر والسمع والشم والذوق. والتفكير بمعناه الواسع عملية بحث عن معنى في الموقف أو الخبرة. وقد يكون هذا المعنى ظاهراً حينا وغامضاً حيناً آخر، ويتطلب التوصل إليه تأملا إمعان نظر في مكونات الموقف أو الخبرة ( Barell, 1991 ) التي يمر بها الفرد.(تعليم التفكير)
وقد استخدم الباحثون أوصافاً عدة للتمييز بين نوع وآخر من أنواع التفكير، وربما كان تعدد أوصاف التفكير وتسمياته أحد الشواهد على مدى اهتمام الباحثين بدراسة موضوع التفكير وفك رموزه منذ بدأت المحاولات الجادة لقياس الذكاء بعد منتصف القرن التاسع عشر. ومن الأوصاف والتصنيفات التي أصبحت تحمل دلالات ذات معنى في الدوائر الأكاديمية والتربوية نورد ما يلي:
التفكير الشامل / الجشطالتي Holistic Thinking التفكير التحليلي Analytical Thinking
التفكير المجرد Abstract Thinking التفكير المحسوس Concrete Thinking
التفكير الفعال Effective Thinking التفكير المبدع Creative Thinking
التفكير الاستقرائي Inductive Thinking التفكير الاستنباطي Deductive Thinking
التفكير المتقارب Convergent Thinking التفكير المتباعد Divergent Thinking
التفكير الناقد Critical Thinking التفكير المتسرع Impulsive Thinking
التفكير المنتج Productive Thinking التفكير غير الفعال Ineffective Thinking
التفكير الجانبي Leteral Thinking التفكير المنطقي Logical Thinking
التفكير التأملي Reflective Thinking التفكير فوق المعرفي Metacognitive Thinking
التفكير العملي / الوظيفي Practical Thinking التفكير العملي Scientific Thinking
التفكير الرياضي Mathematical Thinking التفكير اللفظي Verbal Thinking
التفكير المعرفي Cognitive Thinking التفكير الرأسي/المركز Vertical Thinking
إن التفكير مفهوم معقد يتألف من ثلاثة مكونات هي:
1- عمليات معرفية معقدة ( مثل حل المشكلات ) وأقل تعقيداً ( كالاستيعاب والتطبيق والاستدلال )، وعمليات توجيه وتحكم فوق معرفية.(تعليم التفكير)
2- معرفة خاصة بمحتوى المادة أو الموضوع.(تعليم التفكير)
3- استعدادات وعوامل شخصية ( اتجاهات، موضوعية، ميول ).(تعليم التفكير)


مستويات التفكير


التفكير فوق المعرفية Metacognitive Thinking:/51(تعليم التفكير)
أولاً: طبيعته وتعريفه:/51(تعليم التفكير)
ظهر مفهوم ط فوق المعرفي " في بداية السبعينات ليضيف بعداً جديداً في مجال علم النفس لمعرفي، ويفتح آفاقاً واسعة للدراسات التجريبية والمناقشات النظرية في موضوعات الذكاء والتفكير والذاكرة والاستيعاب ومهارات التعلم ( Brown & DeLoache, 1978; Butterfield & Belmont, `977; Flavell, 1979 )ز وقد تطور الاهتمام بهذا المفهوم في عقد الثمانينات ولا يزال يلقى الكثير من الاهتمام نظرا لارتباطه بنظريات الذكاء والتعلم واستراتيجيات حل المشكلة واتخاذ القرار. وأجريت دراسات كثيرة لمقارنة مستويات مهارات التفكير فوق المعرفي لدى العاديين والموهوبين والأفراد الذين يعانون من قصور عقلي، وأظهرت هذه الدراسات أن الأطفال والأفراد الذين يعانون من قصور عقلي يتصرفون بصورة متكررة وكأنهم غير واعين لما ينبغي عمله أو إتباعه من استراتيجيات أو أساليب لحل المشكلة، كما أن إداراتهم لسوكاتهم الذاتية في مواجهة متطلبات حل المشكلة ليست فعالة كما هو الحال لدى العاديين والموهوبين.(تعليم التفكير)
وإذا استعرضنا عينة من الدراسات والكتابات التي تولت الأبعاد فوق المعرفية للتفكير، لوجدنا عددا من التعريفات لـ " مهارات التفكير فوق المعرفية ". ومن أمثلة هذه التعريفات ما يلي:
عمليات تحكم عليا وظيفتها التخطيط والمراقبة والتقييم لأداء الفرد في حل المشكلة؛
مهارات تنفيذية مهمتها توجيه وإدارة مهارات التفكير المختلفة العاملة في حل المشكلة؛ أحد أهم مكونات الأداء الذكي أو معالجة المعلومات ( Sternberg, 1985, 1986, 1988, 1992؛
أعلى مستويات النشاط العقلي الذي يبقى على وعي الفرد لذاته ولغيره أثناء التفكير في حل المشكلة ( Flavell & Wellman 1977 )؛
قدرة على التفكير في مجريات التفكير أو حوله ( Bruer, 1995 )؛
التفكير بصوت عال أو الحديث مع الذات، بهدف متابعة ومراجعة نشاطات حل المشكلة ( Resnick, 1987; Ryle, 1979 )؛
وبالرغم من تباين التعريفات التي وضعها عدد من علماء النفس المعرفيين لمفهوم " فوق المعرفي "، إلا أن معظم التعريفات – كما يبدو – تشترك في إبراز أهمية الدور الذي تلعبه المهارات فوق المعرفية في فعل التفكير أو حل المشكلات، وعليه، فإنه يمكن تعريف " مهارات التفكير فوق المعرفية " بطريقة تجمع أهم العناصر المشار إليها سابقاً على النحو الآتي:
" مهارات عقلية معقدة تعد من أهم مكونات السلوك الذكي في معالجة المعلومات، وتنمو مع التقدم في العمر والخبرة، وتقوم بمهمة السيطرة على جميع نشاطات التفكير العاملة الموجهة لحل المشكلة، واستخدام القدرات أو الموارد المعرفية للفرد بفاعلية في مواجهة متطلبات مهمة التفكير ".(تعليم التفكير)
ومن الطريف أن نشير إلى ما أورده ستيرنبرج ( Sternberg, 1985 ) في نظريته الثلاثية للذكاء. فقد ميز ستيرنبرج بين ثلاثة مكونات لمعالجة المعلومات، هي:
المكونات الأسمى Meta-Ccomponents
مكونات الأداء Performance Components
مكونات اكتساب المعرفة Knowledge Acquisiton Components
وعرف ستيرنبرج المكونات الأسمى بأنها عمليات الضبط العليا التي تستخدم في التخطيط والمراقبة والتقييم لأداء الفرد أو نشاطاته العقلية أثناء قيامه بمهمة معينة، وهي تقابل ما أطلق عليه فليفل ( Flavell, 1979) وغيره من الباحثين " فوق المعرفي " ووصف ستيرنبرج المكونات الأسمى بـ " العمليات ذوات الياقات البيضاء " White Collar Process-es مقارنة مع مكونات التنفيذ التي وصفها بـ ( العمليات ذوات الياقات الزرقاء " Blue Col- Iar Processes للدلالة على مستوى النشاط العقلي أو مهارات التفكير المنوطة بكل من هذين المكونين للذكاء ( Sternberg, 1988 ). واستنادا لهذا الوصف، فإن المكونات الأسمى أو العمليات فوق المعرفية تقوم بالتنظيم والإشراف وإصدار التعليمات حول كيفية السير في حل المشكلات، بينما تقوم مكونات الأداء – وهي مهارات تفكير من مستوى أدنى – بتنفيذ العمل وتطبيق استراتيجيات الحل.(تعليم التفكير)
ثانياً: هل يمكن تعليمه؟:/53(تعليم التفكير)
سبق أن أشرنا إلى حداثة مفهوم " مهارات التفكير فوق المعرفية "، وبالتالي لم يكن يظهر في أدب التعليم أو وثائق النظم التربوية أي نص حول اعتماد هذه الماركات كأحد أهداف التعليم أو التدريب. ولكن مع تعمق البحوث والدراسات التجريبية حول هذا المفهوم، تمكن بعض الباحثين من عزل بعض المهارات فوق المعرفية وتحديدها، وفتحوا بذلك المجال واسعا لتناول هذه المهارات كأحد مكونات برامج تعليم مهارات التفكير. وقد استندوا في ذلك إلى حقيقتين، هما:
أ‌- الأهمية القصوى لمهارات التفكير فوق المعرفية في معالجة المعلومات، على اعتبار أن أي تفكير هادف يتضمن مهارات معرفية وفوق معرفية، وبالتالي لا يجوز إهمالها أو الافتراض بأن المتعلم يمكن أن يجيدها بصورة غير مباشرة عن طريق دراسة محتوى مادة التدريس.(تعليم التفكير)
ب‌- إن ما ينطبق على مهارات التفكير المعرفية ينطبق على مهارات التفكير فوق المعرفية. ويتفق معظم الخبراء في مجال علم نفس التفكير على أن أ] جهد جاد لتعليم مهارات التفكير يظل ناقصا ما لم يتصدى لمهمة مساعدة الطلبة على تنمية مهارات التفكر حول التفكير أو مهارات التفكير فوق المعرفية، نظراً لأهميتها في الوصول إلى مستوى التفكير الحاذق ( Beown, Campione, & Day, 1981; Sternberg, 1984 ). ولهذا فإن أي برنامج لتعليم التفكير يجب أن لا يقتصر على تنمية الفاعلية في استخدام عدد من العمليات المعرفية الدنيا أو المتوسطة، ولابد أن يتضمن تدريبات مدروسة لرفع مستوى استقلالية تفكير المتعلم وفاعليته في ممارسة التفكير الموجه ذاتيا والمنطلق ذاتياً، وهذه هي غاية تعليم مهارات التفكير فوق المعرفية.(تعليم التفكير)
إن مهارات التفكير فوق المعرفية تنمو ببطء بدءا من سن الخامسة، ثم تتطور بشكل ملموس في سن الحادية عشرة إلى الثالثة عشرة. وقد أمكن تحديد عدد لا بأس به من هذه المهارات وقياسه، وأظهرت الدراسات أن المفكرين والخبراء في حل المشكلات والقارئين الجيدين يتصفون بأنهم يمتلكون سيطرة وقدرة على التحكم في تفكيرهم وتوجيهه، كما أنهم يعرفون حدودهم، ويميزون بين ما يعرفونه وبين ما لا يعرفونه. إنهم يعرفون هدفهم وكيف يصلون إليه عندما يفكرون في حل المشكلة. كما أثبتت الدراسات فاعلية بعض البرامج التعليمية لمهارات التفكير فوق المعرفية في تحسن مستوى وعي الطلبة بقدراتهم وكيفية استخدامها ومتى تستخدم، وأظهرت حدوث تحسن في مستوى الاستدلال التمثيلي ومستوى الاستيعاب القرائي والشفوي ( Barell, 1991; Brown, 1989 ).(تعليم التفكير)
مهارات التفكير المعرفية:/54(تعليم التفكير)
حددت الجمعية الأمريكية لتطوير المناهج والتعليم عشرين مهارة تفكير أساسية يمكن تعليمها وتعزيزها في المدرسة. وتشتمل القائمة على المهارات الآتية:
1- مهارات التركيز:/54(تعليم التفكير)
تعريف المشكلات Defining Problems أو توضيح ظروف المشكلة؛
وضع الأهداف Setting Goals: تحديد التوجهات والأهداف؛
2- مهارات جمع المعلومات:/54(تعليم التفكير)
الملاحظة Observing: الحصول على المعلومات عن طريق واحدة أو أكثر من الحواس؛
التساؤل Questioning: البحث عن معلومات جديدة عن طريق تكوين وإثارة الأسئلة؛
3- مهارات التذكر:/54(تعليم التفكير)
الترميز Encoding: ترميز وتخزين المعلومات في الذاكرة طويلة الأمد؛
الاستدعاء Recalling: استرجاع المعلومات من الذاكرة طويلة الأمد؛
يعرف الباحثان جلجار وكورترايت ( Gallagher & Courtright, 1986 ) الذاكرة على أنها عملية تقوم بأداء وظيفتين رئيستين هما:
أ‌- اختزان المعلومات والخبرات الشعورية واللاشعورية وحفظها على شكل نظام معقد، يسمح بالبحث والتنقيب عن هذه المعلومات والخبرات من أجل إيجاد استجابات للأسئلة المطروحة.(تعليم التفكير)
ب‌- استدعاء ما يلزم من المعلومات والحقائق ومنظومات البيانات عند الحاجة. ويتم اختزان المعلومات والخبرات في مستويين: قصير الأمد وطويل الأمد. ويتفاوت الأفراد في قدراتهم على تخزين المعلومات واستدعائها، وهناك علاقة إيجابية بين قوة الذاكرة ومستوى الذكاء ( Freeman, 1991 )، كما أن هناك تفاوتا في قوة الذاكرة بين مجال وآخر لدى الفرد نفسه؛ فقد تكون لديه ذاكرة قوية في الخبرات اللغوية أو الرياضية، وذاكرة ضعيفة في الخبرات الموسيقية أو الفنية ( Gardner, 1993 ).(تعليم التفكير)
ومن الجدير بالذكر أن بلوم قد وضع الذاكرة في المستوى الأول من تصنيفه للأهداف التربوية ( Bloom et al, 1956 ). وعليه، فإنها تعد بمثابة حجر الزاوية بالنسبة لباقي الأهداف التربوية العليا كالتحليل والتركيب والتقويم.(تعليم التفكير)
4- مهارات تنظيم المعلومات:/55(تعليم التفكير)
المقارنة Comparing: ملاحظة أوجه الشبه الاختلاف بين شيئين أو أكثر؛
التصنيف Classifying: وضع الأشياء في مجموعات وفق خصائص مشتركة؛
الترتيب Ordering: وضع الأشياء أو المفردات في منظومة أو سياق وفق محك معين؛
5- مهارات التحليل:/55(تعليم التفكير)
تحديد الخصائص والمكونات Indentifying Attributes and Components: التمييز بين الأشياء والتعرف على خصائصها وأجزائها؛
تحديد العلاقات والأنماط Identifying Relationship and Patterns: والتعرف على الطرائق الرابطة بين المكونات؛
6- المهارات الإنتاجية / التوليدية:/55(تعليم التفكير)
الاستنتاج Inferring: التفكير فيما هو أبعد من المعلومات المتوافرة لسد الثغرات فيها؛
التنبؤ Predicting: استخدام المعرفة السابقة لإضافة معنى للمعلومات الجديدة وربطها بالأبنية المعرفية القائمة؛
الإسهاب Elaborating: تطوير الأفكار الأساسية والمعلومات المعطاة وإغناؤها بتفصيلات مهمة وإضافات قد تؤدي إلى نتاجات جديدة؛
التمثيل Resenting: إضافة معنى جديد للمعلومات بتغيير صورتها ( تمثيلها برموز أو مخططات أو رسوم بيانية )؛
7- مهارات التكامل والدمج:/56(تعليم التفكير)
التلخيص Summarizing: تقصير الموضوع وتجريده من غير الأفكار الرئيسة بطريقة فعالة وعملية؛
إعادة البناء Restructuringعديل الأبنية المعرفية القائمة لإدماج معلومات جديدة؛
8- مهارات التقويم:/56(تعليم التفكير)
وضع محكات Establishing Criteria: اتخاذ معايير لإصدار الأحكام والقرارات؛
الإثبات Verifying: تقديم البرهان على صحة أو دقة الادعاءات؛
التعرف على الأخطاء Identifying Errors: الكشف عن المغالطات أو الوهن في الاستدلالات المنطقية، وما يتصل بالموقف أو الموضوع من معلومات، والتفريق بين الآراء والحقائق؛
مهارات التفكير فوق المعرفية:/56(تعليم التفكير)
توصلت الدراسات التي أجريت منذ بداية السبعينيات حول مفهوم عمليات التفكير فوق المعرفية إلى تجديد عدد من المهارات العليا، التي تقوم بإدارة نشاطات التفكير وتوجيهها عندما ينشغل الفرد في موقف حل المشكلة أو اتخاذ القرار. وقد صنف ستيرنبرج Stern-berg, 1985, 1988 ) ) هذه المهارات في ثلاث فئات رئيسة، هي: التخطيط والمراقبة والتقييم.(تعليم التفكير)
وتضم كل فئة من هذه الفئات عددا من المهارات الفرعية يمكن تلخيصها فيما يأتي:
1- التخطيط Planning:/57(تعليم التفكير)
تحديد هدف أو الإحساس بوجود مشكلة وتحديد طبعتها؛
اختيار استراتيجية التنفيذ ومهارات؛
ترتيب تسلسل العمليات أو الخطوات؛
تحديد العقبات والأخطاء المحتملة؛
تحديد أساليب مواجهة الصعوبات والأخطاء؛
التنبؤ بالنتائج المرغوبة أو المتوقعة؛
2- المراقبة والتحكم Monitoring & Controlling:/57(تعليم التفكير)
الإبقاء على الهدف في بؤرة الاهتمام؛
الحفاظ على تسلسل العمليات أو الخطوات؛
معرفة متى يتحقق هدف فرعي؛
معرفة متى يجب الانتقال إلى العملية التالية؛
اختيار العملية الملائمة التي تتبع في السياق؛
اكتشاف العقبات والأخطاء؛
معرفة كيفية التغلب على العقبات والتخلص من الأخطاء؛
3- التقييم Assessment:/57(تعليم التفكير)
تقييم مدى تحقق الهدف؛
الحكم على دقة النتائج وكفايتها؛
تقييم مدى ملائمة الأساليب التي استخدمت؛
تقييم كيفية تناول العقبات والأخطاء؛
تقييم فاعلية الخطة وتنفيذها؛
ولتوضيح العلاقة بين مكونات التفكير وما يتفرع عنها من مهارات، نورد نموذجاً تربويا تفصيليا – الشكل رقم 2-2 يمكن استخدامه من قبل المربين والمعلمين لأغراض تعليم التفكير وتعليم مهارات التفكير. وكما يلاحظ في الشكل، أدرجت بعض مستويات تصنيف بلوم Bloom للأهداف التربوية ضمن مهارات التفكير الأساسية، وهي: المعرفة والاستدعاء والاستيعاب والتطبيق، بينما أدرج البعض الآخر ضمن مهارات عملية حل المشكلات أو التفكير الناقد، وهي، التحليل والتركيب والتقويم.(تعليم التفكير)
الشكل رقم 2-2/ 58(تعليم التفكير)

على أنه يجب أن لا يفهم من هذا أن مهارات واستراتيجيات التفكير هي وظائف يمكن فصلها أو عزلها عن بعضها بهذه البساطة. والحقيقة أنك عندما تمارس التفكير النقدي تحتاج إلى استخدام بعض مهارات التفكير الإبداعي أو حل المشكلة والعكس. وهناك من يرى أن التفكير الناقد هو الإطار الذي يضم جميع الأنماط الأخرى من التفكير، بينما يرى آخرون أن حل المشكلة أو اتخاذ القرار هو المظلة التي تندرج تحتها جميع العمليات العقلية المعقدة.(تعليم التفكير)
تصنيف بلوم للأهداف التربوية:/58(تعليم التفكير)
اكتسب تصنيف بلوم للأهداف التربوية ( Bloom et al, 1956 ) شهرة عالمية في الدوائر التربوية، وقد وضع التصنيف كدليل لمساعدة المربين والمعلمين في تخطيط الأهداف والخبرات التعليمية المدرسية وبنود الاختبارات بصورة متدرجة الصعوبة. وقد برزت أهمية تصنيف بلوم في مجال تخطيط المناهج الأثرائية للطلبة الموهوبين والمتفوقين، عن طريق التركيز على المستويات الثلاث العليا من مهارات التفكير التي تضم التحليل والتركيب والتقويم، والتي نادرا ما تحظى باهتمام كاف في التعليم العام. وهناك برامج تتخذ من تصنيف بلوم إطارا مرجعيا لتخطيط الخبرات التعليمية / التعلمية للطلبة الموهوبين والمتفوقين.(تعليم التفكير)
يوجه تصنيف بلوم أنظار المربين إلى أهمية تقديم الخبرات التعليمية في مستويات متفاوتة الصعوبة حتى تتلاءم مع احتياجات المتعلمين والفروق الفردية بينهم. ومع أنه يجري التركيز عادة على المستويات الدنيا للمعرفة الأكاديمية في برامج التعلم العام، والتركيز على المستويات العليا من تصنيف بلوم في برامج تعليم الموهوبين والمتفوقين، إلا أن البرنامج التربوي الشامل يجب أن لا يقلل من أهمية من هذه المستويات. إن المعرفة في موضوع ما – وهي أدنى مستويات التصنيف -، تشكل مكونات أساسيا للتفكير في المسائل المتعلقة بهذا الموضوع أو ذات الصلة به. وكما يبدو في الجدول رقم 2-2، يتضح أن هنا تداخلا بين المستويات، وأن الإجادة في المستويات العليا تستلزم بالضرورة سيطرة على المستويات الأدنى.(تعليم التفكير)
ونظر لأهمية تصنيف بلوم في تخطيط التعليم وشيوعه في برامج تعليم المعلمين وتعليم المتفوقين، فإن المؤلف ينصح المعلمين والمشرفين التربويين بالرجوع إلى المخطوط الأصلي لهذا التصنيف، نظراً لاشتمالها على نشاطات وأسئلة في المستويات المختلفة، مع التركيز على مستويات التفكير العليا التي تشمل التحليل والتركيب والتقويم وسوف يفيد منه المعلمون في تخطيط نشاطاتهم التعليمية وامتحاناتهم المدرسية، ولا سيما لطلبة المرحلة الثانوية في المستويات المختلفة.(تعليم التفكير)
الجدول رقم 2-2 /60(تعليم التفكير)
تصنيف بلوم للأهداف التربوية في المجال المعرفي
مستوى الخبرة التعليمية / الهدف المعرفي أمثلة للنشاطات التعليمية أفعال سلوكية لتحديد النواتج المرغوبة
1- المعرفة
تذكر مادة سبق تعلمها؛
التبصر والحدس؛ استدعاء الحقائق والأسماء والأمثلة والقواعد؛
اكتساب المبادئ والأساليب والنظريات والتضمينات؛ يعرف، يحدد، يسمى، بعد قائمة، يعين، يزاوج؛
2- الاستيعاب
فهم معنى المادة؛ إعادة صياغة المعلومات بكلمات أو رموز؛
توضيح المعاني؛
تفسير العلاقات؛
استخلاص الاستنتاجات؛
إيضاح الأساليب؛
استنتاج التضمينات؛ يميز، يترجم، يعطي أمثلة، يستنتج، يعيد صياغة، يفسر، يعيد كتابة، يلخص، يتعرف على، يحول، يشرح؛
3- التطبيق
استخدام المواد المتعلمة في مواقف جديدة؛ استعمال القوانين والقواعد والنظريات في مواقف جديدة؛
اختيار المواقف والأساليب؛ يجرب، يحسب، يحضر، يستخدم، يبرهن، يشغل، يمارس، ينتج، يتنبأ؛
4- التحليل
تحليل المادة إلى عناصرها مكن أجل فهم بنائها التنظيمي؛ التعرف على الافتراضات والأنماط؛
استنباط الاستنتاجات والفرضيات ووجهات النظر؛
تحليل العلاقات والبراهين والمسائل وعلاقات السبب والأثر؛
التفريق بين الأفكار والأجزاء؛ يمايز، يفرق، يحدد، يستدل، يقسم، يستخدم، يبرهن، يشغل، يمارس، ينتج، يتنبأ؛
5- التركيب
تجميع الأجزاء لتكوين بناء أو نمط جديد؛ تأليف وإعطاء نواتج؛
اقتراح الأهداف والوسائل؛
تصميم الخطط والعمليات؛
تنظيم المفاهيم والنظريات والمشاريع؛
اشتقاق العلاقات والتعميمات؛ يبرمج، يؤلف، ينشئ، يعدل، ينظم، يخطط، يعيد تنظيم، يعيد بناء، يراجع، يصمم، يولد، يفترض؛
6- التقويم
إصدار حكم على قيمة المادة بالنسبة لهدف معين؛ الحكم على الدقة والاتساق والموثوقية في المثيرات؛
تقويم الأخطاء والمغالطات والتنبؤات والوسائل والنهايات؛
مراعاة الفاعلية والمنفعة والمعايير؛
التفريق بين البدائل وطرق العمل؛ يقدر، ينقد، يبرز، يدعم، يقوم، يفاضل، يقرر، يناقش، يحرر، يكتسب، توصية، يحكم، يصحح،
ومما يجدر ذكره أن بلوم ورفاقه ( Bloom, et al, 1956 ) قد أوردوا في كتابهم ( تصنيف الأهداف التربوية ) قائمة طويلة من المهارات والقدرات الفرعية التي تنضوي تحت مصطلح " التحليل " في التصنيف المذكور. وقد نظمت هذه القائمة في ثلاث فئات هي: تحليل العناصر، وتحليل العلاقات، وتحليل المبادئ التنظيمية أو البنائية للمادة أو النص.
وتضمنت القائمة المهارات والقدرات الآتية:
التعرف على الافتراضات غير المصرح بها؛
التمييز بين الحقائق والفرضيات؛
التمييز بين المقدمات والنتيجة المترتبة عليها؛
التعرف على الدوافع والتمييز بينها في سلوك الأفراد والجماعات؛
التمييز بين العبارات المتضمنة لحقائق وتلك الدالة على مبادئ عامة أو أقوال مأثورة؛
استيعاب العلاقات المتداخلة بين الأفكار الواردة في نص معين؛
التمييز بين علاقات السبب والنتيجة وغيرها من العلاقات؛
القدرة على تحري المغالطات المنطقية في البراهين أو الحجج أو المناقشات؛
التمييز بين العبارات ذات الصلة بالموضوع وتلك التي لا ترتبط به؛
القدرة على التحقق من درجة الاتساق بين الفرضيات والمعلومات المعطاة أو المسلمات؛
التعرف على الحقائق والافتراضات الأساسية بالنسبة لحجة أو برهان أو رأي علمي؛
التعرف على العلاقات السببية والتفصيلات المهمة وغير المهمة في سرد تاريخي؛
التعرف على وجهة نظر الكاتب أو تحيزه في سرد تاريخي؛
القدرة على رؤية الطرائق المستخدمة في المواد الإعلانية والدعائية وغيرها من المواد الهادفة لإقناع الجمهور مثلاً؛
القدرة على تمييز الأسلوب أو الشكل والصياغة في إخراج الأعمال الأدبية والفنية كوسيلة لفهم معناها؛
القدرة على تحليل العلاقات بين المواد وأساليب الإخراج وبين العناصر والبناء في عمل فني؛
وإذا نظرنا في محتويات هذه القائمة، لوجدنا أن كثيراً منها يرتبط بمهارة التعرف على العلاقات والأنماط، ومهارة التعرف على الأخطاء والمغالطات المنطقية، ومهارات الملاحظة والتفسير والمقارنة والتطبيق والنقد وغيرها بصورة أو بأخرى. وسوف تتم مناقشة موسعة لهذا المهارات التفكيرية مع الأمثلة في الجزء الثاني من الكتاب.(تعليم التفكير)
وتقدم الباحثة كلارك – الشكل رقم 3-2 نموذجا لتخطيط الخبرات التعليمية في المدرسة، يظهر التمايز فيه بين برامج الطلبة المتفوقين وغير المتفوقين من حيث اتساع قاعدة الخبرات في مستويات التفكير العليا في برامج الطلبة المتفوقين مقابل اتساع الخبرات في المستويات الدنيا للطلبة العاديين.(تعليم التفكير)
الشكل رقم 3-2 /62(تعليم التفكير)
تمايز الخبرات التربوية بالنسبة للطلبة المتفوقين والعاديين حسب تصنيف بلوم


مفهوم التفكير الناقد:/65(تعليم التفكير)
ورد الفعل " نقد " في ( لسان العرب ) بمعنى ميز الدراهم واخرج الزيف منها ( ابن منظور، صفحة 425 )، كما ورد تعبير " نقد الشعر ونقد النثر " في ( المعجم الوسيط ) بمعنى أظهر ما فيهما من عيب أو حسن ( 1985، صفحة 982 ). والناقد الفني كاتب عمله تمييز العمل الفني: جيده من رديئه، وصحيحه من زيفه.(تعليم التفكير)
أما التفكير الناقد فهو مفهوم مركب، له ارتباطات بعدد غير محدود من السلوكات في عدد غير محدود من المواقف والأوضاع، وهو متداخل مع مفاهيم أخرى كالمنطق وحل المشكلة والتعلم ونظرية المعرفة. ويعبر جون ديوي عن جوهر التفكير الناقد في كتابه ( كيف تفكر ) بالقول: " إنه التمهل في إعطاء الأحكام وتعليقها لحين التحقق من الأمر " ( Dewey, 1982 ). وهناك من يرى بأن التفكير الناقد يقابل التفكير المجرد عند بياجيه ( Meyer, 1991 )، ويتألف من ثلاثة مكنات هي:
صياغة التعميمات بحذر؛
النظر والتفكر في الاحتمالات والبدائل؛
تعليق الحكم عن الشيء أو الموقف لحين توافر معلومات وأدلة كافية؛
وفي بعض المراجع يتم التعرض للتفكير الناقد في معرض الحديث عن حل المشكلات ( Isaksen & Treffinger, 1985 ) أو التفكير المنطقي ( Feldhusen, 1989 ).(تعليم التفكير)
وإذا رجعنا إلى الكلمة الإنجليزية Critical نجد أنها مشتقة من الأصل اللاتيني Criti-cus أو اليوناني Kritikos والذي يعني ببساطة القدرة على التمييز أو إصدار الأحكام.(تعليم التفكير)
وقد يفسر هذا المدلول اللغوي للكلمة اليونانية النظرة التقليدية القديمة للتفكير التي أرسى قواعداها وتبناها الفلاسفة الثلاثة سقراط وافلاطون وارسطو. وتتلخص تلك النظر في أن مهارات التحليل والحكم والمجادلة كافية للوصول إلى الحقيقة، كما قد يكون مفهوم التفكير الناقد في الأدب التربوي المعاصر متأثراً بهذه النظرة التقليدية للتفكير. ويعلق ديبونو De Bono, 1994 ) على ذلك بالقول: " إن مهارات التحليل والحكم والمجادلة مهمة في عملية التفكير أو التفكير الناقد، ولكنها ليست كافية في حد ذاتها لافتقارها إلى عناصر في غاية الأهمية من مثل: جوانب التفكير الإنتاجية، والإبداعية، والتوليدية، والتصميمية ". وليس ممكنا التقدم في مجالات العلوم والتكنولوجيا بمجرد التوصل إلى الحقيقة عن طريق نقد مدى صحة الفرضية أو المعلومة القائمة، ولابد من استكمال المهمة بالانتقال إلى مرحلة أخرى ربما تكون أكثر أهمية، بتوليد فرضيات جديدة وأفكار إبداعية لمعالجة الموقف أو حل المشكلة.(تعليم التفكير)
وربما كان التفكير الناقد من أكبر أشكال التفكير المركب استحواذاً على اهتمام الباحثين والمفكرين التربويين الذين عرفوا بكتاباتهم في مجال التفكير، كما أن تعبير " التفكير الناقد " من أكثر التعبيرات التي يساء استعمالها من قبل الكثيرين في وصف عمليات التفكير ومهاراته. وفي عالم الواقع، يستخدم التعبير للدلالة على معان جديدة، من أهمها: الكشف عن العيوب والأخطاء، الشك في كل شيء، التفكير التحليلي، التفكير التأملي، حل المشكلة، كل مهارات التفكير العليا في تصنيف بلوم، كل مهارات التفكير المهمة، التفكير الواضح، التفكير اليقظ، التفكير المستقل، والتعرف على أوجه التحيز والتناقض وعدم الاتساق ( Davis & Rimm, 1989 ).(تعليم التفكير)
وهناك عدد كبير من التعريفات التي وردت في الأدب التربوي، نقدم في ما يلي نماذج منها بالإضافة لما ذكر سابقاً:
التفكير الناقد هو فحص وتقييم الحلول المعروضة ( Moore, McCann, & McCann, 1985 )؛
التفكير الناقد هو حل المشكلات أو التحقق من الشيء وتقييمه بالاستناد إلى معايير متفق عليها مسبقا ( Udall & Daniels, 1991 )؛
التفكير الناقد هو تفكير تأملي ومعقول، مركز على اتخذا قرار بشأن ما نصدقه ونؤمن به أو ما نفعله، وما يتطلبه ذلك من وضع فرضيات وأسئلة وبدائل وخطط للتجريب ( En-nis, 1985 )؛
التفكير الناقد هو التفكير الذي يتطلب استخدام المستويات المعرفية العليا الثلاث في تصنيف بلوم، وهي التحليل والتركيب والتقويم ( Polette, 1982 )؛
التفكير الناقد هو تفكير يتصف بالحساسية للموقف، وباشتماله على ضوابط تصحيحية ذاتية، وباعتماده على محكات في الوصول إلى الأحكام ( Lipman, 1991 )؛
ورغم الاختلافات الظاهرة في معالجات الكثيرين من الكتاب لمفهوم التفكير الناقد، إلا أن هناك عدداً من القواسم المشتركة بينها، يمكن تلخيصها في ما يلي:
1- التفكير الناقد ليس مرادفاً لاتخاذ القرار أو حل المشكلة، وليس مجرد تذكر أو استدعاء بعض المعلومات، كما أنه ليس مرهوناً بإتباع استراتيجية منظمة لمعالجة الموقف.(تعليم التفكير)
وفي هذا الصدد يفرق الباحث إنس ( Ennis, 1962 ) بين التفكير الناقد وحل المشكلة بالتركيز على نقطتي البداية والنهاية في كل منهما، فالتفكير الناقد يبدأ بوجود ادعاء أو استنتاج أو معلومة، والسؤال المركزي هو: " ما قيمة أو مدى صحة الشيء؟ "، بينما حل المشكلة يبدأ مشكلة ما، والسؤال المركزي هو: " كيف يمكن حلها؟ ". يضاف إلى ذلك أن التفكير الناقد ليس استراتيجية كما هو الأمر بالنسبة لحل المشكلة او اتخاذ القرار، لأنه لا يتكون من سلسلة من العمليات والأساليب التي يمكن استخدامها في معالجة موقف ما بصورة متتابعة، ولكنه عبارة عن مجموعة من العمليات أو المهارات الخاصة التي يمكن أن تستخدم بصورة منفردة أو مجتمعة دون التزام بأي ترتيب معين. وقد حدد باير ( Beyer, 1985 ) عشر مهارات للتفكير الناقد نوردها في ما يلي:
التمييز بين الحقائق التي يمكن إثباتها أو التحقق من صحتها وبين الادعاءات أو المزاعم الذاتية أو القيمية؛
التمييز بين المعلومات والادعاءات والأسباب ذات العلاقة بالموضوع وتلك التي تقحم على الموضوع ولا ترتبط به؛
تحديد مصداقية مصدر المعلومات؛
التعرف على الادعاءات أو البراهين والحجج الغامضة؛
التعرف على الافتراضات غير الظاهرة أو المتضمنة في النص؛
تحري التحيز أو التحامل؛
التعرف على المغالطات المنطقية؛
التعرف على أوجه التناقض أو عدم الاتساق في مسار عملية الاستدلال من المقدمات أو الوقائع؛
تحديد درجة قوة البرهان أو الإدعاء؛
وقد يمارس الفرد التفكير الناقد بأن يتحرى مواقع التحيز أو التناقض في نص معين دون غيرهما من مهارات التفكير الناقد الأخرى. وتضم كل مهارة من مهارات التفكير الناقد التي أوردها باير بعداً تحليلياً وبعداً تقييمياً.(تعليم التفكير)
2- التفكير الناقد يستلزم إصدار حكم من جانب الفرد الذي يمارسه.(تعليم التفكير)
3- التفكير الناقد يحتاج إلى مهارة في استخدام قواعد المنطق والاستدلال المنظمة للأمور.(تعليم التفكير)
4- التفكير الناقد ينطوي على مجموعة من مهارات التفكير التي يمكن تعلمها والتدرب عليها وإجادتها.(تعليم التفكير)
خصائص المفكر الناقد:/68(تعليم التفكير)
ماذا نعني عندما نقول بأن فلاناً يفكر تفكيراً ناقداً؟ للإجابة عن هذا السؤال ولإعطاء فكرة مبسطة، نورد تاليا قائمة من الخصائص والسوكات البارزة التي أورها باحثون متخصصون في وصف الشخص الذي يفكر تفكيراً ناقداً ( Ennis, 1962, 1985; Har-nadek, 1976 )؛
منفتح على الأفكار الجديدة؛
لا يجادل في أمر عندما لا يعرف شيئاً عنه؛
يعرف متى يحتاج إلى معلومات أكثر حول شيء ما؛
يعرف الفرق بين نتيجة " ربما تكون صحيحة " و نتيجة " لابد أن تكون صحيحة "؛
يعرف بأن لدى الناس أفكاراً مختلفة حول معاني المفردات؛
يحاول تجنب الأخطاء الشائعة في استدلاله للأمور؛
يتساءل عن أي شيء يبدو غير معقول أو غير مفهوم له؛
يحاول فصل التفكير العاطفي عن التفكير المنطقي؛
يحاول بناء مفرداته اللغوية بحيث قادراً على فهم ما يقوله الآخرون وعلى نقل أفكاره بوضوح؛
يتخذ موقفاً أو يتخلى عن موقف عند توافر أدلة وأسباب كافية لذلك؛
يأخذ جميع جوانب الموقف بنفس القدر من الأهمية؛
يبحث عن الأسباب والبدائل؛
يتعامل مع مكونات الموقف المعقد بطريقة منظمة؛
يستخدم مصادر علمية موثوقة ويشير إليها؛
يبقى على صلة بالنقطة الأساسية أو جوهر الموضوع؛×
يعرف المشكلة بوضوح؛
وتورد هارندك المثال الآتي لإيضاح صفات المفكر الناقد:
سأل أحدهم زميله: هل تعتقد أنه من الممكن صناعة طائرة تتسع لعشرة آلاف راكب؟
أجابه زميله: ما هذا السؤال السخيف؟ كيف يمكن لطائرة ثقيلة كهذه أن ترتفع عن الأرض؟
إن إجابة كهذه تشير إلى أن صاحبها لا يتصف بصفات من يفكر تفكيراً ناقداً، لأنه غير منفتح على الأفكار الجديدة، ولأنه غير خبير بهندسة الطيران حتى يدعم رأيه، وهو لا يعرف أنه بحاجة إلى معلومات أكثر حول الموضوع.(تعليم التفكير)
وتعتقد هارندك ( Harnadek, 1976, 1979 ) أن كل طالب يستطيع أن يتعلم كيف يفكر تفكيراً ناقداً إذا أتيحت له فرص التدرب والممارسة الفعلية في الصفوف الدراسية، وأن مجرد الانتقال من حالة الموافقة أو الرفض المباشر والسريع لفكرة ما يعد خطوة إيجابية في اتجاه تنمية مهارات التفكير الناقد لدى الطلبة. وعليه، فإن واجب المعلم أن يوفر لطلبته مناخا تعليمياً مشجعاً لا يشعرون فيه بالإحراج أو التهديد. وهنا لابد من إبراز الدور الذي تلعبه العوامل الشخصية في التفكير الناقد، لأن لا مصطلح قد يعرف بصيغة الموضوعية الصارمة. ومن الأمثلة على ذلك القول بأن التفكير الناقد بشكله الصحيح هو تفكير موضوعي متحرر من أثر القيم الشخصية. بينما يشير بعض الباحثين في تفريقهم بين التفكير الناقد والحل الموضوعي العلمي للمشكلة إلى أن التفكير الناقد يتضمن عناصر من القيم والعواطف والأحكام الشخصية. وحقيقة الأمر أنه يصعب الفصل بين العوامل الموضوعية والشخصية في أي عمل يستهدف المعرفة، وأن القوة الدافعة التي تثير التفكير الناقد وتبقى عليه غالباً متجذرة في القيم والاستعدادات والمكونات الشخصية للفرد من ميول واتجاهات ودافعية. ويعبر ماير ( Meyer, 1991 ) عن هذا الاتجاه بتأكيده على أن التفكير الناقد ينطوي على بعدين مهمين هما:
1- بعد معرفي يستدعي وجود منظور أو إطار لتحليل القضايا والمواد المرتبطة بميدان من ميادين المعرفة.(تعليم التفكير)
2- بعد انفعالي يضم العناصر الآتية:
الاتجاهات العامة المرتبطة بإثارة الأسئلة؛
التعليق المؤقت لإصدار الأحكام الشخصية؛
الاستمتاع بمعالجة المسائل الغامضة والمتشابكة؛
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
معاينة صفحة البيانات الشخصي للعضوhttp://booksiraq.yoo7.com

الاثنين، 19 أغسطس 2013







التفكير الإبداعي

زينب حبش

أمين سرّ لجنة التربية والتعليم
وزارة التربية والتعليم العالي

.


 هل يمكن تعليم التفكير الإبداعي؟

















        ميّز الله الإنسان على سائر المخلوقات بالعقل. والعقل هو مركز التفكير. وأياً كانت اللغة أو الوسيلة التي يستعملها الفرد، فهي تنتقل إلى العقل ليحلّلها ويفسّرها.
        ولقد ساوى الله بين جميع البشر أن زوّدهم بهذا الجهاز المدهش، ودعاهم إلى توظيفه في حياتهم، باعتباره أداة للتعلّم تلازمهم طيلة حياتهم. كما شجّع على التعلّم في كثير من الآيات.
                " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"  ( آية 9، سورة الروم)
        ونبه إلى القدرات الكبيرة للعقل، الذي لا حدود للمعرفة لديه:
                "... وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً" ( آية 85، سورة الإسراء)
        وفي هذه الآية الكريمة إشارة واضحة إلى أنّ الإنسان لم يستعمل سوى جزءاً قليلاً من قدراته العقلية، وأن المجال أمامه واسع لتعلّم المزيد.

كما أنها دعوة عامة لمواصلة البحث والتعلّم، لا لفئة بعينها، وإنما لجميع البشر في كلّ زمان ومكان.
والعلم لا يتم إلا بالتعلّم . والتعلّم يعني التفكير. والتفكير يقود إلى الإبداع.

"... وفي أنفسكم أفلا تبصرون"  ( آية 21، سورة الذاريات)
"... الذين يذكرون الله  قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار" ( آية 191، سورة آل عمران)

لماذا يدعونا الخالق إلى التفكير؟؟
وهل هناك إبداع مهما بلغت درجته، يصل إلى إبداع الخالق في كلّ ما خلقه؟!
أليس التفكّر في ما خلق الله دعوة إلى التفكير الإبداعي؟

ولما كان التفكير مطلباً أساسياً في تقدّم الإنسان وتطوّره منذ بدء الخليقة حتى نهايتها، كان لا بدّ من مواكبته لكل عصر من العصور. وبالتفكير نبني على الماضي ونبتكر من أجل الحاضر والمستقبل.


وإذا ما تأملنا الثورة التقنية العلميّة في عصرنا الحالي، وفيما واكبها من حاجة ماسّة إلى مواصلة البحث والتقدّم في جميع المجالات، تحتّم علينا أن نفكّر جدياً في تطوير القدرات المبدعة عند الأفراد منذ المراحل المبكرة في حياتهم. وهذا الأمر يتطلب تطوير المناهج التعليمية وتحسينها باستمرار، وأن تتبنى المؤسسات التربوية تنمية مهارات التفكير وتحفيزها والارتقاء بها لدى جميع فئات الطلبة، باعتبارها وسيلة لتحقيق غايات وأهداف ملحّة ، لا كأهداف بحدّ ذاتها.

كما أن التغيير السريع الذي يشهده العصر الحاضر ما هو إلا مقدمة لتطوّر أسرع وأشمل، ينتظر عالم المستقبل . حيث ستقوم الآلات والعقول الالكترونية بالأعمال الروتينية، وتترك للإنسان الأعمال الابتكارية والإبداعية. وهذا يتطلب منا أن نراجع أنفسنا، وأن نغير أسلوب تفكيرنا، بحيث يُؤهلنا إلى التعامل مع علوم المستقبل واكتشافاته وإبداعاته.

هناك العديد من المبدعين على مدار التاريخ. منهم مبدعون في مجال محدّد، ومنهم مبدعون في مجالات متعدّدة. ومنهم من قدّم إنجازات مبدعة في سنّ مبكرة أو في سنّ متقدّمة. ومنهم من أبدعوا في الفن أو الموسيقى أو في العلوم والتكنولوجيا.
وما نطمح إليه في عصرنا الحاضر، أن نجعل من التفكير الإبداعي مطلباً عامّاً لا خاصاً. بحيث يشارك فيه جميع الأفراد في مختلف المجالات، لا أفراد بعدد الأصابع فقط، ليتحوّل العالم كله إلى خلية نحل نشطة، وسيمفونية خالدة، يشارك فيها كلّ حسب دوره وقدراته الإبداعية.




كانت الحاجة إلى التفكير الإبداعي ملحة في كل عصر من العصور الماضية.ولولا المبدعون لما أصبح لدينا هذا الكم الهائل من الاختراعات والاكتشافات، والإنجازات العلمية والأدبية والفنيّة التي نقشت أسماء مبدعيها في الذاكرة الإنسانية على مدى العصور.
وما أحوجنا في هذا العصر -عصر العلم والتكنولوجيا والعولمة وتفجّر المعلومات- إلى أن نواكب هذا التقدّم السريع بالمشاركة الفاعلة في المعرفة والتعلم والإنجاز، لنقدّم للعالم إبداعات خاصّة بنا، وناتجة عن أعظم ثروة نمتلكها ، وهي العقل.
سمعت من أحد الزملاء الذين زاروا دولة ماليزيا، أن وزير التربية والتعليم حث طلبة الجامعات على اختراع حاسوب قليل الثمن وخفيف الوزن ، ليكون بديلاً عن الكتب والقرطاسية التي يستعملها الطلبة في المدارس وتكلف الدولة مبالغ باهظة سنوياً.
        إنها دعوة عامة للتفكير والابتكار والإبداع.

        ولا يتعارض هذا مع ما يدعو إليه ماتشادو (1989) ، وبما توّصل إليه الكسندرو روشكا(1989)، من أن الذكاء حقّ طبيعي لكل فرد. وأن الإبداع يمكن أن يكون جماعياً. كما لا يتعارض مع أفكار هبارد (1996) حول إمكانية تعليم جميع الأفراد ورفع قدراتهم، ودرجة ذكائهم إلى أعلى مستوى.

        ولقد دعاني هذا الموضوع إلى تأمّل الآيات الأولى التي نزلت على النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، (اقرأ باسم ربك الذي خلق(1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم   (3) الذي علّم بالقلم (4) علم الإنسان ما لم يعلم (5) ) صدق الله العظيم ( آية 1-5 من سورة العلق).
" اقرأ " ، تعني فكّر. فالقراءة لا تعني شيئاً إن لم تكن وسيلة للتفكير والفهم.
والقراءة هنا هي قراءة سمعيّة، تتم عن طريق حاسّة السمع.  فالنبيّ محمّد أمّيّ، لا يعرف قراءة المادة المكتوبة. ولكنه قادر على القراءة السمعيّة التي تحوّلت بها الألفاظ والعبارات إلى قوالب صوتية وألفاظ مسموعة، يستحيل على غير الأذن أن تستعملها وتنقلها إلى مراكز الترجمة والتفسير في الدماغ.   ( حبش ،1998، ص17)
ثم تُشير الآية الثانية إلى موضوع خلق الإنسان، والذي يتضمن العقل والحواس، التي بها يستطيع الإنسان أن يتعلّم.
أما الآية الثالثة، فتُظهر الصفة الإلهيّة أي " الأكرم" ، بخلقه الإنسان على أحسن صورة وأتمهّا .
أمّا " الذي علّم بالقلم"، فهذه إشارة إلى أنّ الخالق العظيم قد طلب من جميع عباده تعلّم القراءة والكتابة. بينما تؤكد الآية الخامسة، "علّم الإنسان ما لم يعلم"، أن الله سبحانه قد منح الإنسان العقل والحواس ليتعلّم كلّ ما يريد تعلّمه.

يقول الباحثون: إن 95% من الجهد المبذول للقراءة، يقوم به العقل، أو ما يحصل داخله (أي عملية التفكير). أما الباقي، 5%، فتقوم به إحدى الحواس التي زوّدها الله سبحانه لعباده. (الحاج خليل 1988)

وسواء اعتمدت القراءة على أي حاسة من الحواس الخمس، فإن الجهد الأكبر لعملية القراءة يقوم به العقل ، الذي هو مركز التفكير.

وإذا أردنا أن نُنشئ جيلاً مُفكراً، علينا أن نُنشئ جيلاً قارئاً ومحللاً وناقداً منذ السنوات الأولى لذلك الجيل.

نشر باير ( 1997) كتاباً حديثاً موضوعه ( وسائل تحسين التفكير في مدارسنا)، استعرض فيه مجموعة من الإرشادات والتوجيهات العامة، موجهة إلى المعلمين، لتقديم فرص تعليمية / تعلميّة أفضل للطلبة، تدربهم على استخدام مهارات التفكير المختلفة: التحليل والمقارنة والتفسير والتقويم. مع التعرف على برامج التفكير الأكثر فعاليّة، والأخذ بعين الاعتبار الاهتمام بجميع الطلبة وليس الاقتصار على فئة قليلة منهم.

وقد أصدر بنتلي ( 1998) كتاباً حول التعلم خارج أسوار الفصل الدراسي:( نظام مدرسي لعالم مُتغيّر).
وأهم ما ورد فيه هو طبيعة التعلم الفعّال الذي يواكب ويساير القرن الحادي والعشرين. وذلك عن طريق توثيق العلاقة بين المدرسة والمجتمع والتكامل بينهما. ويؤكد على تطبيق الطلبة لما يتعلمونه ، وانعكاسه على حياتهم الشخصية وعلى بيئتهم، ولا يقتصر على الامتحانات فقط. مما يتطلب الإعداد الجيد للطلبة لممارسة التعلم المستمرّ وحلّ المشكلات التي تواجههم طيلة حياتهم.

ومن أجل أن يكون التفكير أكثر عمقاً وفاعليه، دعت ويليامز (1987م) في كتابها "التعليم من أجل العقل ذي الجانبين" إلى العمل على تنشيط قوّة الجانب الأيمن من العقل لدى الطلبة، ليُحقّقوا التوازن في مهارات التفكير، وليُنشّطوا إلى درجة عالية، قدراتهم الإبداعيّة.
ومن الأنشطة التي يمكن أن يُوظَّف بها جانبا العقل، الأيمن والأيسر : التفكير البصري، والخيال، والمجاز ( التشبيه)، واستخدام جميع الحواس، والاستماع إلى الموسيقى، وإجراء التجارب المخبريه، والقيام بالرحلات الميدانية. وهذه الأنشطة مفيدة لجميع فئات الطلبة وفي جميع المراحل الدراسية.

ومن الجدير ذكره، أن معظم المواد المدرسية وأساليب التعليم والتقييم تركّز على المواد والمعلومات المرتبطة بالجانب الأيسر ، وتهمل إلى حدّ كبير المواضيع المرتبطة بالجانب الأيمن، وهو الجانب الإبداعي.

أما ما قام به هبارد (2002م) من أبحاث في مجال الإنسان والحياة، فهي تُعدّ أول تقنية عملية وفعّالة تتناول العقل البشري. وهو يُشبّه قدرات العقل المثالي بالكمبيوتر ذي الكفاءات المتعدّدة. ويعتقد هبارد أن العقل الذي تمتلكه، هو العقل " الذي يُمكن أن تسترد قدراته، وذلك عن طريق علم الديانتكس ( Dianetics )، أي تغلب قوّة العقل على الجسد". وهو يُعرّف الديانتكس بأنه:
        " علم فكري منظّم، مبني على مبادئ محدّدة، يكشف لنا عن وجود حقائق طبيعية، تؤدي بالفرد أو المجتمع إلى ممارسة سلوكيات معينة. كما يمكن بواسطة هذه الحقائق التنبؤ بهذه السلوكيات" .
        هذا العقل المثالي، هو هبة الله سبحانه لجميع خلقه من البشر، وهو الذي يُميزهم عن سائر المخلوقات.
        إلا أن الأحداث والمؤثرات النفسيّة والجسديّة التي تمرّ بالإنسان، والتي تسبّب له الحزن أو الألم النفسي والجسدي، هي التي تؤثر على العقل، وتقلل من قدراته وكفاءاته.
        كيف؟
        يقسم هبارد العقل إلى قسمين: أحدهما يُسمى الذهن التحليلي، والآخر الذهن التفاعلي.
        ومنذ بداية تكوين الشخص، أي منذ أن كان جنيناً، حتى آخر لحظه في حياته، يتم تسجيل جميع الأحداث المفرحة والمحزنة، السعيدة والتعيسة، وكذلك جميع الحوادث التي تؤثر عليه جسدياً ونفسياً، مثل حوادث الحرب والمشاهد المؤلمة المرتبطة بها، أو الوقوع عن الدراجة أو حادث سير يترك لديه أثراً جسدياً مؤلماً، كالكسور وغير ذلك. أو أية أحداث أخرى مثل فقد شخص عزيز.
        جميع الأحداث السارّة، تدخل كشريط إلى الذهن التحليلي. أما الأحداث المؤلمة والمحزنة، فتدخل جميعها إلى الذهن التفاعلي. وبالتالي تؤثر على قدرات الشخص من جهة، كما تؤثر على الوضع الصحي والنفسي لذلك الشخص من جهة أخرى.
       وفي هذا الصدد، يعتقد هبارد أن 70% من الأمراض الجسدية والنفسية، تعود إلى تأثير الذهن التفاعلي على الأشخاص. من هذه الأمراض، الصداع المزمن، والروماتيزم، والربو، والحساسية وغيرها.
        إلا أنه يُمكن معالجة تأثير الذهن التفاعلي على الشخص. وذلك بالاستماع إليه، والعودة به إلى المسار الزمني الذي سُجلت فيه الأحداث المؤلمة والمحزنة. بهذه التقنية، يُمكن التخفيف من حدّتها ومن ثم إبطال مفعولها.
        وفي الحالة التي تزول فيها جميع الأحداث المؤلمة والمحزنة من الذهن التفاعلي للشخص، يتحوّل إلى إنسان صافٍ. عندئذٍ، يسترجع جميع قدراته ويكتشف أنّ لديه من القدرات والإمكانات ما يفوق تصوّره.
        هذا الشخص الصافي، لا يتأثر فيما بعد بأيّة أحداث مهما كانت، إذ تصبح لديه القدرة على تحملها واستيعابها عن طريق الذهن التحليلي.
        أما اليوم، فيعتبر الديانتكس ظاهرة عالميّة، يستخدمها الملايين في أكثر من 150 بلداً، وبأكثر من 50 لغة.
        وتشمل أعمال هبارد التي عالجت موضوع الإنسان والعقل البشري، على عشرات الملايين من الأعمال المنشورة، ككتب أو كمخطوطات، بالإضافة إلى أكثر من 3000 محاضرة مُسجلة.
        وإن أكثر الشهادات التي تحقّق رؤية هبارد، هي ملايين الأشخاص الذين يعملون اليوم على نقل ميراثه نحو القرن الحادي والعشرين، والذين تزداد أعدادهم مع كل صباح فجر جديد. ( هبارد، 2002 ).

أما سكوت وات (2005م)، فهو يدعو كلّ فرد إلى أن يضاعف ذكاءه ، ويقوي قدراته الذهنية، ويُظهر الطاقات الكامنة في عقله. ففي كتابه الشهير عالمياً " كيف تُضاعف ذكاءك" يُشير وات إلى أن غالبية البشر، تميل إلى استخدام نحو 10% أو أقل من قدراتهم العقلية، تاركين بذلك مخزوناً هائلاً من الطاقة العقلية المعطلة. وفي كتابه هذا، يكشف عن الأساليب التي تساعد على استغلال تلك الطاقة ومضاعفة الأداء العقلي. ومن أهم المكتسبات التي يُحقّقها الفرد، إنجاز أعماله في وقت قصير، والقراءة السريعة مع الفهم السريع، وحلّ المشكلات الصعبة، والتأثير على الناس الآخرين وتحديد الأهداف العظيمة ثم تحقيقها بسهولة. إلى غير ذلك. وهو يستشهد بتجارب عمليّة مشوّقة تشدّ  القارئ وتحفزه على متابعة القراءة . ومن ثم ، تدفعه إلى تجريب تلك الأساليب .

ويرى ماتشادو (1989م) أنه يمكننا أن نقيس تقدّم الأمة وفقاً للنسبه بين عدد المبدعين فيها وعدد سكانها قاطبة. وأن تطوير كل الناس أمر ممكن. فثروة الأمة هي ثمرة عقول مواطنيها.
فكلما تضخّم عدد الأذكياء المبدعين، فإن البشرية ستتقدّم أسرع. ويقول: " إن الغد يعتمد على تربية اليوم بالنسبة لكل الناس، وإنه لا شيء ،  على الإطلاق يمكنه أن يكون أكثر أهميّة من هذا، وهو البدء في بناء المستقبل منذ الآن". ( ماتشادو، 1989، ص10).

والأهم من هذا، فهو يؤكد أن بمقدور كل من الفرد والشعب أن يكون سيّد قدره.  "فالأمم التي لا تصمّم على الإصلاح الجذري لأنظمتها التربوية ، ستؤول إلى مستعمرات على نحو قاطع. فليس هناك من قطر لا يكون بالكفء لأنه مستعمر، بل إنه مستعمر لأنه ليس بالكفء" .( ماتشادو،1989، ص121).
وهذه دعوة عامّة للتفكير الإبداعي الذي يحرّر الإنسان من قيود الجهل والتخلف في أيّ زمان ومكان.

إننا نعيش في عالم لا مجال فيه للضعفاء، ولا أمل فيه للجهلاء. ولا نملك إلا أن نأخذ بمعايير العالم الذي نعيش فيه. لذا لا بدّ أن نكون أقوياء، ووسيلتنا لذلك هي العلم، فالعلم والمعرفة أصبحا يشكلان قوّة العالم الجديد. ( بهاء الدين ، 2003).

وإذا أردنا لأبنائنا تنمية مواهبهم وإبداعاتهم، فعلينا أن نوفر لهم المناخ الديمقراطي والبيئة الغنيّة، التي تترعرع فيها قدراتهم الكامنة في جميع المجالات.



        كلنا نذكر اسحق نيوتن الذي سقطت عليه التفاحة. لو أنه لم يفكّر تفكيراً إبداعياً، لما كان السباق في اكتشاف قانون الجاذبية. ذلك التفكير الإبداعي، ابتعد به عن التفكير العادي الذي قد يستخدمه أي شخص آخر، سقط عليه شيء ما من أعلى، واكتفى بالقراءة السطحية له دون أن يستنتج أفكاراً مبدعة تكون قد تولدت منه . أما نيوتن فقد تعمق في التفكير الناقد لما حصل، فراح يتساءل، ويحلل، ويُخمّن، ويتحقق… الخ. إلى أن وصل إلى اكتشافه الكبير الذي تعلمه جميع الطلبة في كل أنحاء العالم. واستخدمه الملايين حتى وقتنا الحالي، في مجالات الصناعة والبحث والتجارب العلمية المختلفة.
إذاً ، هو لم يكتفِ بـ "ماذا حدث"؟ ، وإنما راح يفكر بـ "لماذا حدث" ؟ "وكيف حدث"؟
        في الحقيقة ، من الصعب تعريف " التفكير الإبداعي" بكلمات محدّدة. فكما لا نستطيع تعريف الشعر أو الجمال أو العبقرية إلى غير ذلك من المفاهيم العظيمة، يصعب كذلك تعريف الإبداع، أو التفكير الإبداعي.
ولكن ، ربما استطعنا من خلال النماذج والأمثلة أن نقترب من المعنى ولو قليلاً.

      يُعرّف التفكير الإبداعي بأنه الاستعداد والقدرة على إنتاج شيء جديد. أو أنه عمليّة يتحقق النتاج من خلالها . أو أنه حلّ جديد لمشكلة ما، أو أنه تحقيق إنتاج جديد وذي قيمة من أجل المجتمع. ( روشكا، 1989، ص19)

        ويعّرف كذلك بأنه التفكير الذي يؤدي إلى التغيير نحو الأفضل ، وينفي الأفكار الوضعيّة المقبولة مسبقاً. وبأنه يتضمنّ الدافعية والمثابرة والاستمرارية في العمل، والقدرة العالية على تحقيق أمر ما. وهو الذي يعمل على تكوين مشكلة ما تكويناً جديداً ( سعادة وزميله ، 1996).

        أما Gilford  ( 1967) ، فهو يعرف التفكير الإبداعي بأنه تفكير في نسق مفتوح، يتميز الانتاج فيه بخاصية فريدة تتمثل في تنوّع الاجابات المنتجة، التي لا تحدّدها المعلومات المعطاة. في الوقت الذي رأى فيه Livin (1976) التفكير الإبداعي، بأنه القدرة على حلّ المشكلات في أي موقف يتعرّض له الفرد، بحيث يكون سلوكه دون تصنّع، وإنما متوقع منه  ( قطامي 2005).  بينما يُعرّف بأنه نشاط عقلي مركب وهادف، توجهه رغبة قويّة في البحث عن حلول، أو التوصل إلى نواتج أصيلة لم تكن معروفة أو مطروحة من قبل ( جروان،1999).

أما سعاده وزميله (1996)، فقد اقترحا تعريفاً للتفكير الإبداعي  بأنه " عملية ذهنية يتفاعل فيها المتعلم مع الخبرات العديدة التي يواجهها، بهدف استيعاب عناصر الموقف من أجل الوصول إلى فهم جديد أو انتاج جديد، يحقّق حلاً أصيلاً لمشكلته ، أواكتشاف شيء جديد ذي قيمة بالنسبة له أو للمجتمع الذي يعيش فيه".

        وهناك من يعتقد أنه لا بدّ من وجود عوامل أساسيّة مستقلة للقدرة الإبداعية، والتي بدونها لا نستطيع التحدث عن وجود إبداع، وأهمها:

1- الطلاقة، أي القدرة على إنتاج أكبر عدد من الأفكار الإبداعية في وقت قصير نسبياً. فالشخص المبدع لديه درجة عالية من القدرة على سيولة الأفكار، وسهولة توليدها، وانسيابها بحرية تامة في ضوء عدد من الأفكار ذات العلاقة.
2- المرونة: ويُقصد بها القدرة على تغيير الحالة الذهنية بتغيير الموقف. وهذه تتجلى لدى العباقرة، الذين يُبدعون في أكثر من مجال أو شكل، خاصة لدى الفنانين والأدباء الذين ينجحون في مجالات إبداعية متنوعة، ولا تقتصر على إطار واحد. كالشاعر الذي يُبدع في كتابة الرواية والمسرحية أو الفن التشكيلي. وهي تلك المهارة التي يتم استخدامها لتوليد أنماط أو أصناف متنوعة من التفكير، وتنمية القدرة على نقل هذه الأنماط، وتغيير اتجاه التفكير ، والانتقال من عمليات التفكير العادي إلى الاستجابة ورد الفعل وإدراك الأمور بطرق متفاوته أو متنوعة ( سعادة 2003)..
3- الحساسية للمشكلات، فالشخص المبدع لديه القدرة على رؤية الكثير من المشكلات في الموقف الواحد. فهو يحسّ بالمشكلات إحساساً مرهفاً. وهو بالتالي أكثر حساسية لبيئتهِ من المعتاد، فهو يرى مالا يراه غيره، ويرقب الأشياء التي لا يُلاحظها غيره، كمنظر غروب الشمس أو شروقها، على سبيل المثال.
4-   الأصالة، يمكن تعريف مهارة الأصالة كإحدى مهارات التفكير الإبداعي، بأنها تلك المهارة التي تستخدم من أجل التفكير بطرق واستجابات غير عادية، أو فريدة من نوعها ( سعادة 2003) ، أي أن المبدع لا يُكرّر أفكار الآخرين، فتكون أفكاره جديدة، وخارجه عما هو شائع أو تقليدي.
5_ الاحتفاظ بالاتجاه ومواصلته ، فالمبدع لديه القدرة على التركيز على هدف معيّن، وعلى تخطي أي معوقات ومُشتتات تُبعده عنه. وهو قادرٌ أيضاً على أن يعدّل ويبدّل في أفكاره لكي يُحقق أهدافه الإبداعية بأفضل صورة ممكنة (حبيب،2003).

 وهذه السمات تكاد تكون عامة لدى معظم المبدعين في أيّ مجال من المجالات المختلفة، سواء في المجال الفني أو العلمي أو الاجتماعي أو السياسي أو غير ذلك.

        أما Parks & Swart (1994) فهو يرى أن خارطة التفكير تشتمل على ثلاثة أنواع  وهي: الفهم والتوضيح، والتفكير الإبداعي، والتفكير الناقد.
        التفكير الإبداعي، هو الذي يفسح المجال للخيال، ويولد أفكاراً جديدة وخلاقة. بينما يقوم الفهم والتوضيح بتوظيف مهارات التحليل، ويُعمّق القدرة على استخدام المعلومات.
        أما مهارات التفكير الناقد، فهي التي تُمكّن الفرد من التحقّق من معقولية المعلومات وصحّتها . وهي التي تقود إلى الحكم الجيّد.
        وهذه المهارات جميعها، تعمل معاً من أجل اتخاذ القرارات أو حلّ المشكلات. الأمر الذي يجعل الفرد لا يستغني عن أيّ منها حين يحاول توليد حلول جديدة للمشاكل التي يواجهها.

        أما Fisher (2005)، فهو يرى أن معرفتنا عن التفكير تنبع من المنحى الفلسفي والسيكولوجي، فمن خلال الفلسفة وعلم المنطق، تمّ تطوير أسس التفكير الناقد. أما علم النفس المعرفي، فقد اهتمّ بدراسة الدماغ وبكيفية تطوير أفكار إبداعية.

        ويتفق Fisher & Swart (2005) مع Parks(1994)، بأن الأنشطة العقلية مثل حلّ المشكلات واتخاذ القرارات تحتاج إلى توظيف مهارات التفكير الناقد والإبداعي معاً.

        والواقع أن مهارات ومهام التفكير مترابطة ومتداخلة. فالمبدع الذي يهدف إلى إنتاج شيء أصيل ومتميّز، كقصيدة أو مقطوعة موسيقية، يحتاج إلى التأمل، وإلى مهارات التفكير الناقد للحكم على جودة ما أنتجه.
لكي تنجز عملاً إبداعياً، لا بدّ من أن تكون ناقداً بدرجة أو بأخرى. ولا بدّ لنا كمربين، من التركيز على التفكير الإبداعي والتفكير الناقد في آن واحد. فالتفكير الإبداعي، كما أوضح جان بياجيه ، يهدف إلى تربية أفراد قادرين على القيام بأعمال جديدة ومبادرة، ولا يكتفون بإعادة ما توصل إليه من سبقهم أو بتقليدهم, أي أفراد مبدعين ومخترعين ومكتشفين. أما التفكير الناقد، فهو الذي يهدف إلى الارتقاء بالتفكير إلى التساؤل وتفحّص كل شيء قبل قبوله والتسليم به.

ومن الجدير ذكره، أننا بحاجة ماسة إلى جيلٍ يفكر بحساسية مرهفة في مجالات متعدّدة في حياتنا اليومية، مثل المحافظة على الممتلكات العامة وعلى النظافة العامة، وعلى احترام حقوق الآخرين، وعلى النهوض بالمجتمع لتتحقق له ولجميع أفراده الحياة الكريمة.



        هل يقتصر الإبداع على فن أو نشاطٍ معين؟ أم أنه يشمل جميع أنواع الفنون والاختراعات العلمية والاكتشافات وغير ذلك؟

        الحقيقة أنه يمكن للفرد أن يكون مبدعاً في أيّ مجالٍ من مجالات الحياة. وأن هذه المجالات كثيرة ومتعددة. فهناك الإبداع العلمي والإبداع الأدبي والثقافي، والإبداع الاقتصادي والإبداع الاجتماعي… إلى غير ذلك.
        والإبداع ليس البدعة التي نهى عنها الإسلام. إنه العمل الذي يجد المبدع في إنجازه سعادة كبيرة، والذي يقضي فيه وقتاً طويلاً و متواصلاً من أجل الهدف النبيل الذي يخدم به الآخرين أو يُمتّعهم أو يبعث السعادة إلى قلوبهم.
إن أيّ حلّ جديد لمشكلة مستعصية ، يكمن خلفها إبداع ومثابرة وصبر وعمل شاق ومتواصل من أجل الوصول إليها.
وإن أي قصيدة أو لوحة فنية أو قطعة موسيقية، تحمل في ثناياها إبداعاً مميزاً. وكذلك الأمر في اكتشاف أو اختراع أي أداة أو مادة تخدم البشر وتسهّل حياتهم اليوميّة.
ونحن لا نبالغ لو قلنا إن الإبداع كالذكاء ، يكمن في قلب كلّ إنسان خلقه الله سبحانه . وقد يلمع فجأة في إجابة ذكية، أو سؤالٍ من نوعٍ خاص يحمل حلاً مبدعاً لقضية معقدة.
والإبداع الحقيقي لا يعني التكيّف مع البيئة، وإنما أن نكيف البيئة حسب حاجاتنا ورغباتنا.
ولكي يكون الإنسان مبدعاً، فإن عليه أن يحلم أحلاماً خيالية واسعة ( سعادة 2003).

يعرّف Parsks & Swart (1994) الإبداع بأنه القدرة على توليد الأفكار واستخدام الإمكانيات وتوظيف الخيال لتكوين أفكار أو أشياء جديدة غير مألوفة سابقاً. ويشير إلى أن قدرة الأفراد على توليد الأفكار الجديدة تعتمد على الخبرة السابقة التي تشكل القاعدة بالنسبة لها. ومن ثمّ على القدرة في تمحيص هذه الأفكار وإعادة صياغتها بحيث تصبح أفكاراً خلاقة وأصيلة، وتتميز بأنها نتيجة التفكير الإبداعي لأولئك الأفراد.

أما Torrance ( 2003)، فهو يرى أن الإبداع يعني التوصل إلى حلول جديدة، وعلاقات أصيلة، بالاعتماد على مُعطيات محدّدة.
وذلك بعد أن يتحسّس الفرد مشكلة ما، أو نقصاً في المعلومات أو الفكرة. ويُضيف بأن عملية الإبداع تشمل البحث عن إمكانيات مختلفة، والتنبؤ بتبعات ونتائج هذه الإمكانيات، واختيار فرضيات وإعادة صياغتها حتى يتم التوصل إلى الحلّ الأفضل.
ويرى Fisher (2005) أنه عند مناقشة موضوع الإبداع، فلا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار جوانبه كلها: الفكرة أو الناتج الإبداعي، وميول وقدرات الشخص المبدع، والبيئة التي تنمّي الإبداع.
فالعمل الإبداعي برأيه، سواء كان فكرة، أو عملاً فنيّاً، أو عملاً علمياً، يكون أصيلاً ومميّزاً. ولا يُعتبر أي عمل أعيد إنتاجه عملاً إبداعياً، مهما كان متقناً ودقيقاً.
فالإبداع هو مجموعة من التوجهات والميول الوجدانية والقدرات العقلية التي يمتلكها الشخص، والتي تمكنه من إنتاج أفكار أصيلة.

وعلى سبيل المثال، فإن التلميذ الذي يحلّ مسألة في الرياضيات بطريقة جديدة ومستقلة، وغير معروفة لديه سابقاً، يُعتبر مبدعاً.
والمعلّم الذي يستعمل أساليب جديدة وتقنيات جديدة في مساعدة الطلبة على التعلم وعلى الإبداع، يُعتبر معلماً مبدعاً.

وما نحتاجه حقّاً، هو أن يُعيد كلّ معلّم النظر في أسلوبه وفي طريقة تفكيره، وفي معاملته لطلابه، وبأن لا يكتفي بإعادة وتكرار ما هو معروف لديه ولديهم. وإنما يحثّهم باستمرار على التفكير والاكتشاف والخلق والإبداع، الذي يساعدهم على الارتقاء بقدراتهم العقليّة ويزيد من درجة ذكائهم. فالعملية التعليميّة/ التعلميّة المطوّرة، أصبحت ضرورة من أهم ضرورات تنمية الثروة البشرية في وقتنا الحاضر. كما أن استعمال الأساليب المبتكرة التي تخاطب كلّ أنواع الذكاء والحواس هي التي تمهّد الطريق إلى الإبداع.





        هل يقتصر الإبداع على شكل أو نوع معين؟

        لقد قيل إنه توجد أنواع من الإبداع بقدر ما تشتمل عليه الطبيعة الإنسانية من خصائص جسميه ونفسية وعقلية وانفعالية … الخ. فالإبداع العلمي يختلف عن الإبداع الفني، كما يختلف الإبداع في المجال الواحد، حيث تتمايز الأنواع والأشكال المختلفة للإبداع وفقاً لنوع العلم أو نوع الفن. ( روشكا، 1989، ص 108).
        ويُمكننا إدراج بعض الإبداعات تحت الإبداع العلمي والتقني، والبعض الآخر تحت الإبداع الفني.
        هناك بعض الاختلافات التي تنتج عن وجود أو عدم وجود الاستعدادات والاهتمامات الخاصة في طبيعة النشاط، والمعلومات والتقنيات ووسائل التعبير.
        أما في مجال فن العمارة، فيلتقي الإبداع العلمي مع الإبداع الفني.
        ومن الأمثلة على الإبداعات العلمية والتقنية، جميع المكتشفات والاختراعات والأبحاث والتجارب العلمية والتقنية ، سواء كانت بشكل فردي أو جماعي.
        أما الإبداعات الفنية ، وهي كثيرة، فيندرج تحتها الموسيقى والتمثيل والتجسيد المسرحي والدرامي، وكذلك جميع الفنون الأدبية، كالشعر والقصة والرواية والمسرحية وغير ذلك، إضافة إلى جميع أنواع الفن التشكيلي كالرسم والنحت والتصوير. إضافة إلى باقي الفنون الأخرى المتعلقة بالمواضيع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها.
        ليس غريباً أن يشمل الإبداع جميع ما يُمكن أن يُقدّمه الفرد أو الجماعة من أعمال جديدة تتميّز بالأصالة والذوق الرفيع ، والتأثير في الآخرين. حتى أن المرء يُعبّر عن إعجابه بها بكلمة : مبدع ، ورائع بطريقة تلقائية.



لا شك بأن العلاقة بينهما عميقة، وتكاد أن تكون ملتحمة. فالمبدع مفكر وذكي. إلا أن "الإبداع يتصف كذلك بالمثابرة والعمل الجاد لشخص نشيط ومرن وذي فعالية عالية".(روشكا،1989 ، ص72).
ولا بدّ من وجود دافعية كشرط أساسي للقيام بأيّ نشاطٍ عقليّ مبدع، كالحماس والحساسية والإنجذاب لما هو غامض، وحبّ السؤال ، والرغبة في التميّز والخلق. ( ابراهيم، 1978 ، ص95).
وإن أي عمل إبداعي ، ما هو إلا " عملية خلق شاقة، يقوم بها المبدع لكي يحتفظ بتكامله الشخصي أو بتكامل مجتمعه."  ( ابراهيم، 1978، ص107).
وإذا كان التفكير الإبداعي يتصف بقيمته العالية ونتائجه المفيدة للفرد والمجتمع ، فهو إذن يقتصر على استخدام الذكاء بطرقٍ إيجابية تخدم الشخص نفسه من جهة ، والآخرين المحيطين به والذين يشاركونه العيش على هذا الكوكب، من جهة أخرى. بينما يمكن استخدام الذكاء بطرق سلبية.
فالذي يفكر بصنع الأسلحة المدمرة، هو شخص ذكي. ولكنه بدلاً من توظيف ذكائه في إبداع صناعات لفائدة البشرية ورفاهيتها ، نراه قد صنع أدواتٍ لتدميرها.
لذا، فالذي يميّز بين التفكير الإبداعي والذكاء، أنّ الأوّل يقترن بالقيم الإنسانية والمثل والأخلاق. أما الثاني ، فقد ينحرف عنها أحياناً.

وفي حياتنا اليومية، هناك الكثيرون من الأذكياء الذين يوظفون ذكاءهم في التزوير والخداع والسرقة وغيرها من الجرائم ، بحيث لا يتركون أثراً يشير إليهم. أما التاريخ، فهومليء بالأشخاص الذين وظفوا ذكاءهم بتشويه الحقائق من أجل مكاسب شخصية أو شهرة واسعة، فدمروا، وقتلوا ونهبوا خيرات غيرهم من الشعوب. وهؤلاء إن كان التاريخ يذكرهم، فمن أجل أن يستحقوا اللعنة على مدى العصور.
في حين أنّ المفكرين المبدعين الذين قدّموا للإنسانية أعمالاً ذات قيمة عالية، فإن الأجيال تشكرهم وتقدّم لهم التقدير الذي يستحقونه.




        هذا ما يجيب عنه المفكر لويس البرتو ماتشادو، " أوّل وزير للذكاء في العالم" فيقول: " ليس هناك شعبٌ أذكى من شعبٍ آخر، كما زعم دعاة العنصرية والفوقيّة على الدوام، وبنوا أمجادهم على ظلم باقي الشعوب " . ( ماتشادو ، 1989، ص 32).
        وهذا المفكر الذي عُيّن وزيراً للذكاء في فنزويلا، يؤكد أنه يمكن تعليم الذكاء لجميع أفراد الأمة. وأن تعليم الذكاء مساوٍ لتعليم التفكير. ومن أجل ذلك، يجب إعادة النظر في جميع مناهج التعليم وأساليبه، في عصر تفجّرت فيه المعرفة، لدرجة أنه يصعب حتى على المتخصص، متابعة ميدان تخصصه. الأمر الذي يُحتّم علينا اختيار ما هو أساسي لتزويد المتعلم به.
ويؤمن ماتشادو كذلك بأن الثروة الحقيقية هي التي تكمن في العقل وقدرات التفكير . يقول: " ثروة العقول هي الثروة الحقيقية للأمة. فالأمة الذكيّة هي الأمة التي تفكر. ومثل هذه الأمة قادرة على توفير الحياة الكريمة لأبنائها. وقادرة أيضاً على درء الطغيان. فالأمة الذكية تلفظ الطغيان متى حلّ بها. وإن لم تستطع ذلك، فيجب تجريدها من صفة الذكاء". (ماتشادو، 1989، ص13).

        ويلخص ماتشادو مسلماته بما يلي:
        يمكن لكل فرد أن يكون ذكياً.
        فالذكاء مهارة قابلة للتعلّم، وهو حق طبيعي لكل فرد.

ويؤكد ماتشادو على ثلاثة أمور أساسية، يراها مرتبطة معا وفي غاية الأهميّة، هي: الحرية، والعدالة، والذكاء. كما يُصرّ على الدور التربوي في بناء مجتمع حرّ، وعادل، وذكي.
        ويؤكد كذلك، " أن العبقريّ ليس رجلاً خارقاً، إذ يمكن لكل رجل عاديّ أن يكون ذلك الرجل الخارق". ( ماتشادو، 1989، ص17).
        أما مفهوم الذكاء عند ماتشادو، فهو التفكير . فالذكي هو الذي يفكر. وإن طريق الذكاء هو كل ما يجعل المرء يفكر على نحو أفضل.
       وهذا يشمل المهارات الدراسية والقدرة الجيدة على حلّ المشكلات اليومية، والمحاكمة العقلية، وقدرة التحكم بالذات وغير ذلك.



معظم الدراسات والأبحاث تؤكد أنّ تعليم التفكير أمر ممكن.

وفي هذا المجال، أعدّ معهد وايتمان في سان فرانسيسكو المشروع الرئيس للتفكير، "وهو مشروع صُمّم لتنمية النماذج التربوية والتعليمية، التي ستسهم في إعداد الأفراد للتفكير بطريقة إبداعية، في المستقبل وفي العالم" ( حبيب، 2003، ص71).

وهذا أمر هام جداً، إذ لا يجب أن نكتفي بأن نساعد بعض الأفراد على اكتساب مهارات التفكير العليا، وإنما علينا أن نساعد جميع الأفراد على ذلك.

لذا، فإن من الأهمية بمكان البدء بالنشء، وذلك بإتاحة الفرصة لهم ، لممارسة التفكير الفعّال والمبدع، الذي يعود عليهم وعلى مجتمعهم، وعلى الإنسانية كلها بالخير، من خلال المناهج التي يتعلمونها يومياً.

فهم بناة المستقبل وقادته ، وبأيديهم المشعل ، الذي ينيرون به الطرق لمن يسيرون معهم، ولمن يتبعونهم. وهم أيضاً الذين يملكون أدوات التغيير في كلٍ من مجتمعهم المحلي ومجتمعهم الإنساني.

        وفي هذا المجال، يؤكد روث ( H.Roth) قائلاً: " ينبغي على المدرسة أن تكون المكان الذي يتمّ فيه تطوير المواهب وتحريضها، وأن علاقة المواهب بالتعليم أكثر أهمية من ارتباطها بالنضج وبالوسط المحيط، وهذا ما يجعل طرائق التعليم تضطلع بدور جديد يتصف بالدلالة والنموذجية". ( روشكا، 1989، ص 198).

        ومن الجدير ذكره، أن الإبداع في سن مبكرة، يكون مؤشراً لإبداع حقيقي في وقت لاحق.
        ولكن ، هل يمكننا تعليم التفكير ؟ وكيف ؟
يجيب  ماتشادو عن هذا السؤال، فيقول
        نعم. يمكن لكل فرد أن يكون ذكياً. فالتفكير مهارة. أي أنه قابل للتعلم والاكتساب. وتعلم التفكير هو تعلم الذكاء، وإن التربية هي طريق الأمة لرفع درجة ذكائها.
        ويؤيد ماتشادو في آرائه حول الذكاء، دي بونو. فهو يقول : إن التفكير مهارة، ومن ثمّ فإنه قابل للتعلم.
        أما المربي الكبير ل. رون هبارد، فيؤكد بدوره أنه يجب علينا أن لا نكتفي بعددٍ قليل من المتعلمين الأذكياء، وإنما علينا أن نغيّر نظام التعليم من أساسه، ليتحقق التعليم للجميع في القرن الحادي والعشرين.   ( هبارد ، 1996، ص5)
والتعليم الذي يدعو إليه رون هبارد يشمل تعلّم الذكاء وتعلم الأخلاق والقيم الإنسانية، على حدٍ سواء.



        قال الفيلسوف ديكارت : " أنا أفكر ، إذن أنا موجود ". وكأنه أراد أن يقول بكلمات أخرى ، إن الذي لا يفكر هو شخص غير موجود. ولذا ، ربط التفكير وأهميته بالوجود، أي بالحياة في هذا العالم.

        تُعرّف مهارات التفكير الإبداعي بأنها تلك المهارات التي تمكّن المتعلم من توليد الأفكار والعمل على انتشارها ، واقتراح فرضيات محتمله، كما تساعده على دعم الخيال في التفكير ، والبحث عن نواتج تعلم إبداعية جديدة ( سعادة 2003).

        وتكمن أهمية تعلّم مهارات التفكير بأن على كلّ فرد أن يفكر ليتعلّم ويفهم ويطبق ما يفهمه في حياته.
        والتفكير يبدأ لدى الأطفال في سنّ مبكرة، أي أنه يبدأ مع الطفل منذ نشأته في المنزل، قبل وصوله مرحلة المدرسة.
        والطفل الذي يجد الرعاية الكافية والمناسبة في سنواته الأولى، يكون مهيأً للإبداع في واحدة أو أكثر من مجالات الإبداع المختلفة، لدى نموّه.

        ومن أجل ذلك، دعا ماتشادو (1989) لبناء برنامج تعليم شامل للذكاء في فنزويلا، بحيث غطّى مستشفيات الولادة، والجمهور والمدارس والجامعات والقوى المسلحة، وأفراد الخدمة المدنية. واهتم المشروع بالطفل حتى وهو جنين في رحم أمه. فهو يُدرّبها كيف تعتني بجنينها وطفلها. فالأعوام الستة الأولى من عمر الطفل ذات قيمة كُبرى في حياته المستقبلية.
        ويقول : " كل الأطفال العاديين موهوبون. والأطفال الموهوبون مجرّد أطفالٍ عاديين، لاقوا العناية الفائقة. فإذا سمحنا للقلّة أن تُطوّر ذكاءها، فإنها ، لا مناص، ستحتكر القوّة. وهناك الطغيان الأعظم."    ( ماتشادو، 1989، ص20).
        وهو يرى أن:
        " الخالق وهبنا العقل كطريق يُنير العدل.
فالخالق لا يُميّز بين الناس 
والامتيازات من صنع البشر أنفسهم".( ماتشادو، 1989، ص20).

كما دعا سعاده (2003)  إلى تدريس مهارات التفكير للطلبة في جميع المراحل الدراسية.

ونُلاحظ كذلك، أن التجارب السابقة والاهتمامات بتعليم التفكير، بدأت بتوجيه الأمهات لرعاية أطفالهن، وهم أجنّة في بطونهن. وهذا يعني أهميّة توعية الأمهات أولاً، ثم المعلمين والمعلمات على اختلاف المراحل التي يُعلمون فيها، سواء كان ذلك في رياض الأطفال أو المدارس أو الكليات المتوسطة، أو حتى في الجامعات.

وللإجابة عن السؤال المطروح، ما أهمية تعليم مهارات التفكير؟ نرد على ذلك بأن المتغيرات السريعة، وتدفق المعلومات التي لا حدود لها في عصرنا الحالي، تدعونا جميعاً لأن نُفكر بطرق وأساليب جديدة، تتواكب مع هذه المتغيرات والمستجدات . والتي تُشير إلى الحاجة الماسّة إلى المبدعين، لا على مستوى الأفراد فحسب، وإنما على المستوى العام. خاصة وأن غالبية علماء النفس والباحثين التربويين، أصبحوا يُسلّمون بأن القدرة على التفكير الابتكاري شائعة بين الناس جميعاً. وأن الفرق بينهم، يكمن في درجة أو مستوى هذه القدرات. ( عبادة ، 2005، ص6).

لذا ، فإن تعليم مهارات التفكير يُعتبر ضرورة مُلحّة، وحاجة أساسية من حاجات كلّ فرد، كحاجته إلى الماء والهواء والغذاء. وكما أن الفرد بحاجة إلى تعلم مهارات القراءة لكي يقرأ ويفهم ويتعلم بنفسه، وإلى تعلم مهارات الكتابة ليعبر عن أفكاره بنفسه، وإلى تعلّم مهارات القيادة ليقود سيارته بنفسه، فهو قبل كلّ ذلك، يحتاج إلى تعلّم مهارات التفكير ليفكر بنفسه، وليحلّ مشاكله الحياتية بنفسه.

ليس هذا فحسب ، فهي تساعده على المشاركة في صنع القرار، كما تساعده في تحديد الأولويات والبدائل ، والمشاركة في وجهات النظر عن طريق طرح الأفكار والآراء أثناء الحوار والمناقشة . والأهم من ذلك، أنها تهيئ الفرد للتكيف مع المتغيرات الضرورية للانخراط في العمل والحياة داخل مجتمعه الخاص والمجتمع الإنساني، على حدّ سواء. كما تُهيئه للقيام  بالأدوار القيادية والنجاح فيها. وتُساعده على التفكير المستقل، وعلى السرعة في التفكير، وعلى استقبال أفكار الآخرين وفهمها وتقبلها أو مناقشتها بطريقة علميّة ومنطقية، بحيث يتقبلها الآخرون بعقول متفتحة.






يعتقد بعض الباحثين أن  الأثر الكبير على الذكاء يكمن في البيئة، أي التربية. وبما أن العلاقة بين الذكاء والإبداع علاقة متينة، إذن فما ينطبق على الذكاء ينطبق على الإبداع.
وهناك من يعتقد أن للوراثة أثراً كبيراً على الإبداع، بدليل أن هناك العديد من الأطفال يُبدعون في المجالات التي ُيبدع فيها آباؤهم وأمهاتهم.

وسواء كان للوراثة أو للبيئة تأثير على الإبداع، فإن ما يهمنا هو ما نستطيع أن نوفره للشخص لكي يصبح مُبدعاً، أو ليطوّر إبداعاته.

فمما لا شكّ فيه أن التفكير الإبداعي يحتاج إلى بيئة مشجعة ومحفزة، سواء ورث الطفل ذلك أم لم يرثه.
وهناك مقولة، تؤكد ، بأن في قلب كل فرد روحاً مبدعه. فإذا ما توفرت البيئة الملائمة، والمشجعة على الإبداع، فإن تلك الروح تتألق وتزدهر.

ومن أجل ذلك، فإن الأطفال بحاجة لأن تكون البيئة المدرسية والأسرية، غنيّة بكل ما يحتاجونه، وبكل ما من شأنه أن يدفع بهم إلى النمو نفسياً وعقلياً وجسدياً ووجدانياً واجتماعياً، ليبدعوا في واحدة أو أكثر من مجالات الإبداع المتعدّدة.

وهم يحتاجون بشكل خاص، إلى نظام مدرسي، ومنهاج مدرسي يُعطيهم ويُعطي معلميهم مساحة كافية من الحرية، التي تسمح لهم بالطلاقة في التفكير، وبإجراء التجارب، وبالتأمل، وبالمطالعة الحرة، وبإعداد البحوث والدراسات، وبالاكتشاف، وباللعب ، وبالاستماع إلى الموسيقى، وبالاستمتاع بقراءة الشعر وممارسة الرسم والكتابة الإبداعية، وبتبادل الأفكار والآراء عن طريق النقاش الهادف والعصف الفكري،  الذي يُحوّل الأطفال إلى شعلة من النشاط الذهني المتوقد، والعيون البرّاقة، والقلوب السعيدة أثناء مشاركتهم الفاعلة في جميع الأنشطة والأعمال المدرسية التي يقومون بها برغبة ومحبة.

يقول رون هبارد (1996) " إن أفضل أساليب التعلّم هي أن يشعر الطفل بأنه يحبّ كل عمل يقوم به، وكل شخص يشاركه في ذلك العمل".
        وسواء كان الطفل مبدعاً بالوراثة أم بتأثير البيئة، فلا بدّ له لكي يستمرّ ويطوّر تفكيره الإبداعي، من بيئة ثرية تشحن قدراته وترتفع بها إلى الأعلى. " فالمطلوب في هذا العصر مبدعون ومبتكرون ومكتشفون، وأناس لديهم القدرة على التخيّل وسرعة التغيير ". (بهاء الدين، 2003، ص 178).



        في كتابه ( المائة )، يشير الكاتب (هارت، 1985) إلى الإسهامات الخالدة التي قدمها هؤلاء الأشخاص المائة للثقافة الإنسانية، لا في عصرهم فحسب، وإنما في العصور التي تلته.
إن هؤلاء الأفراد البارزين من المبدعين والقادة، يشتركون في امتلاكهم لخاصيّة العبقرية. وهذه العبقرية تقاس من خلال مقدار التأثير الذي خلفته على المعاصرين واللاحقين.
وتعريف العبقرية لا يميزّ بين الإبداع والقيادة. فحين نضع أشهر المبدعين وأشهر القادة تحت الفحص، فإن ذلك الفرق بين الإبداع والقيادة يختفي، لأن الإبداع يُصبح شكلاً من أشكال القيادة. فالمبدعون هم قادة ثقافيون.

وقد كان لأفكار آينشتاين النظرية تأثيرها البالغ على زملائه من علماء الطبيعة بشكل خاص، وعلى المجتمع العلمي بشكل عام. وكذلك كان تأثير بيتهوفن على الموسيقى وميكل أنجلو على النحت وشكسبير على الدراما، تأثيراً كبيراً في زمانهم هم، وفي الأجيال التالية لهم.
       فالمبدعون المشهورون، هم قادة في الشؤون الفنية والعلمية.
    (سايمتن،1993، ص15).

       ونحن لو استعرضنا الإنجازات التي قدّمها المبدعون على مدار التاريخ، لأدركنا تأثيرها المباشر وغير المباشر على الأجيال المتعاقبة جيلاً بعد جيل. حتى أننا نكاد نراهم ونسمعهم ونتمثلهم أمامنا.
        وسواء كان هؤلاء الأشخاص مبدعين في المجال السياسي أو الفني أو العلمي أو غير ذلك، فإن تأثيرهم علينا يظلّ كبيراً.
        وأهم ما يميزّ هؤلاء المبدعين، أنّ تأثيرهم لا يقتصر على شعب دون آخر، وإنما يمتدّ ليشمل جميع شعوب العالم.
        ولو تتبعنا التاريخ، لعرفنا كم كان للعرب تأثير على الثقافة الأوروبية في مجال الطب والفلك والموسيقى والرياضيات وغيرها من الفنون. وفي الوقت نفسه، تأثرنا نحن العرب بالإنجازات التي حققها مبدعون عالميون من شعوب أخرى.
        وأيّ إنجاز يُقدَّم للبشرية ويجري تعميمه، يتحوّل إلى فكر أو علم أو فن، يمتزج في العقل الإنساني للفرد، حيث يتحول إلى جزء حميم من فكر وعلم وثقافة ذلك الفرد.
        وأي اختراعٍ مبدع، يتحوّل إلى أداة يستخدمها الآخرون، أو يقودهم إلى تطويره والبناء عليه في مزيد من الاختراعات التي تخدم البشرية كلها.


        وليس غريباً إذن أن يُعتَبر المبدعون قادة الحاضر والمستقبل، للأجيال المتعاقبة. وكلما كان إنجازهم أكثر أهميّة، كان حضورهم أكثر تأثيراً. حتى أن برامز، وهو أحد المبدعين في الموسيقى، فسّر توقفه عن كتابة إحدى سيمفونياته مدّة اثني عشر عاماً بقوله:" إنك لن تستطيع أن تعرف كيف يشعر أمثالنا، عندما نسمع وقع أقدام عملاق مثل بيتهوفن خلف ظهورنا"  (سايمتن، 1993، ص15).

        مما يشير إلى أن هؤلاء المبدعين يظلون حاضرين في أذهان من يتأثرون بإنجازاتهم على مدى الزمان والمكان.



        هل يقتصر الإبداع على الفرد دون الجماعة؟
        لقد كان المفهوم سابقاً بأن الإبداع يكون فردياً لأن الذي يقوم به فردٌ واحدٌ.
        أما فيما بعد، فقد تغير هذا المفهوم، خاصة في مجال البحث العلمي. حيث أنه يمكن لمجموعة من المبدعين إنجاز اكتشافات أو اختراعات قدّموها معا،ً بجهودهم وأفكارهم وبالتعاون فيما بينهم.
كما يُمكن لمجموعة من الفنانين التشكيليين أن يشتركوا في إنجاز جدارية ضخمة. وهكذا.
        إذن، فالإبداع يُمكن أن يكون فردياً كما في الشعر، أو جماعياً، بحيث يشارك فيه مجموعة من الأشخاص المبدعين كعمل مشترك، كما في الهندسة أو الفن التشكيلي أو الأبحاث الطبية. وقد يُشارك فيه عدد كبير من الأشخاص، كما في العروض الرياضية، أو عزف السيمفونيات العالمية أو المسرح أو الأفلام ذات المستوى الرفيع.

        ونحن في فلسطين قد أبدعنا في جميع هذه الأنواع ، خاصة خلال الانتفاضة الأم وانتفاضة الأقصى الحالية. فلأوّل مرّة في تاريخ الشعوب المستعمَرة أو المُحتلَّة، نجد شعباً بكامله يتحوّل إلى خلية نحل، فيتعاون ويقدّم كلّ أشكال الإبداعات والتضحيات من أجل هدف واحد نبيل مشترك، هو الدفاع عن الحريّة.

        ولم تقتصر إبداعات الشعب الفلسطيني على نوعٍ محدّد من الإبداع، فهناك الإبداع في رتق النسيج الاجتماعي، وهناك الإبداع الفني والأدبي، وهناك الإبداع النضالي الذي شارك فيه الطفل إلى جانب العجوز، والمرأة إلى جانب الرجل. والذي تحوّل إلى سيمفونية خالدة في قلوب جميع شعوب العالم.



        اخترع باسكال آلة حاسبة وهو في الثامنة عشرة من عمره. كما اخترع سكاي دايتون، أحد الطلبة في مدرسة دلفاي بلوس انجلوس، شبكة ( earthlink ) الدولية وهو دون الثامنة عشرة. وكان قد بدأ شركته بموظفين اثنين أو ثلاثة، وهي الآن تضمّ أكثر من (1200) موظفاً وموظفة.
صحيح أن العديد من الاكتشافات والاختراعات تمت في سنّ مبكرة من مكتشفيها. إلا أن هذا لا يتعارض مع وجود عمالقة في الأدب والموسيقى وغير ذلك، ممن كانوا يزيدون عن السبعين والثمانين من أعمارهم ، أمثال غوته وبيتهوفن ومارك توين من الأجانب، وعمر الخيام وطه حسين ونجيب محفوظ وغيرهم من العرب والمسلمين.
        أي أن الإبداع يمكن أن يحصل في فترات عمرية واسعة، فهو قد يبدأ من الخامسة عشرة أو أقل، ويمتّد إلى التسعين. إذ لا توجد حدود معينة في ذلك . وأفضل مثال على ذلك الفنان الإسباني الكبير بابلو بيكاسو، الذي واصل نشاطه الإبداعي في الفن التشكيلي إلى ما بعد التسعين، وكذلك الكاتب العربي الكبير نجيب محفوظ، الحاصل على جائزة نوبل للآداب.
        وتشير معظم الدراسات والأبحاث إلى أن سمات الإبداع تظهر لدى الأطفال قبل المرحلة الثانوية. ثم تقوى وتزدهر في المرحلة الجامعيّة. أما النتاجات الإبداعية في مجال الشعر والموسيقى، فيمكن أن تظهر في سن مبكرة. وعلى سبيل المثال، فقد قاد موزارت أوبرا في ميلانو وهو في الرابعة عشرة من العمر، أما إينسكو، فقد ألف " أسلوب القصيدة الرومانية وهو في سن الخامسة عشرة.
        ومن جهة أخرى، فقد أبدع فيردي أوبرا فالستاف وهو في سن الثمانين، أما غوته ، فقد أتمّ الجزء الثاني من كتاب فاوست وهو في الثانية والثمانين.
        إلا أن المعطيات التي أوردها ليمان وآخرون، تبين أن النتاجات الإبداعية تنمو باستمرار حتى الثلاثين إلى الأربعين من العمر، ثم تهبط تدريجياً.
        إلا أن هذا لا ينطبق على جميع المجالات، ولا على جميع الحالات.
        (روشكا، 1989، ص 148-149).

        أما د. بهاء الدين (2003)، فهو يدعو إلى الاهتمام بالطفولة المبكرة، وذلك بأن يبدأ التعليم قبل السن المدرسي. خاصة تعليم اللغات والموسيقى والمهارات اليدوية الدقيقة. كما يدعو إلى استخدام أساليب مبتكرة تخاطب كلّ أنواع الذكاء وكل حواس الطفل وعواطفه. وذلك من أجل التمهيد لتنمية قدراته على الإبداع والانطلاق بها فيما بعد.
وفي ضوء ما تقدّم، يتضح أن هناك مجالات يبدأ فيها الإبداع لدى الأفراد في سن مبكرة، وقد يستمر إلى سن متأخرة أو لا يستمرّ. بينما هناك مجالات يظهر فيها الإبداع في سن متأخرة، خاصة في المجال السياسي.

        وما يهمنا نحن، أن ننمي الإبداع لدى جميع الأطفال من خلال برامج تعليميّة تحفزهم وتتيح لهم فرصة الإبداع في المجالات المختلفة، وذلك بإثراء البيئة التعليميّة/ التعلميّة، وبتطوير المناهج،  بحيث تلبي حاجاتهم وتقوّي دافعيّتهم للبحث والاكتشاف، وتنمي مواهبهم وتصقلها وتفتح لهم باب الخلق والإبداع على مصراعيه.




        هل يرتبط التفكير الإبداعي دائماً بالأخلاق؟

        الجواب ، نعم. فالتفكير الإبداعي يرتبط في جميع الحالات بالقيم والأخلاق والمبادئ الإنسانية.
        فاكتشاف الذرة مثلاً، عمل إبداعي دون أي شك. خاصة إذا جرى استعمالها في المجالات التي تخدم الإنسانية وتُساعد على رفاهية البشر وسعادتهم. أما إذا استُعملت لتدميرهم، فإنها تُعتبر عندئذٍ عملاً ذكياً، لكنه لا أخلاقيّ.
        ومثل ذلك اكتشاف الديناميت. فهو قد يُستعمَل لتفتيت الصخور من أجل استعمالها في بناء المنازل السكنية والمدارس والمصانع والمستشفيات، ولكن إذا استُعمل لتدمير هذه المنشآت، فإنه يُصبح عملاً ذكياً لا أخلاقياً.
        وما نحتاجه في زماننا الحالي، هو الكثير من التفكير الإبداعي المرتبط بالأخلاق، وبالقيم الإنسانية، في جميع المجالات.
        فأي اكتشافٍ أو اختراع غير مرتبطٍ بهذه الأخلاق والقيم، قد يؤدي إلى نشر الأوبئة وتدمير البيئة والقتل الجماعي للشعوب.

        اختار مايكل هارت في كتابه " المائة" ،  أهمّ الشخصيات الخالدة على مدى التاريخ، ممن  كان لهم أثر عالمي، سواء كان ذلك الأثر علميّاً أم فنياً أم سياسياً أم دينياً. وقد كان على رأس القائمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. فأثره لا زال عميقاً متجدداً، ليس فقط على العرب والمسلمين، وإنما امتد ليشمل الناس كافة .

        ليس غريباً أن تشمل القائمة عدداً كبيراً من المبدعين في العلوم كإسحاق نيوتن وألبرت أينشتين ومايكل فرادي وغيرهم. وفي الأدب كويليام شكسبير وفي الموسيقى مثل بتهوفن وباخ. وفي الفن كمايكل أنجلو وبيكاسو. وفي التاريخ كعمر بن الخطاب الذي ساعد بذكائه وعبقريته على نشر الإسلام وتمكينه من البلاد الأخرى.
       إلا أن الغريب أن تضمّ القائمة أشخاصاً كهتلر، باعتباره عبقرية شريرة إلى جانب المبدعين والعباقرة الذين قدّموا إنجازاتهم لكلّ بني البشر.

        لقد أصبح الربط بين التفكير الإبداعي والأخلاق مهمّة عالميّة، لا تقتصر على دولة دون دولة، أو شعبٍ دون شعب . وإنما يجب على جميع دول وشعوب العالم، أن تتنبّه إلى ضرورة التخلص مما هو ضار ومؤذٍ بالنسبة لها أو لغيرها. والى تحويل أية اختراعات أو اكتشافات إلى ما هو مفيد لها ولغيرها. وبهذا يتجنب الجميع الكوارث والمآسي التي قد تُسببها تلك الاكتشافات والمخترعات.

        وفي هذا الشأن، يجدر بهيئة الأمم، أن تُعيد النظر في مهامها، وأن تقصرها على تحقيق العدالة والحرية والسلام والسعادة لجميع شعوب الأرض.

       كما يجدر بنا جميعاً كمربين، أن نُنشئ أطفالنا على ممارسة الأخلاق الحميدة، والمبادئ الإنسانية وعلى قيم الحق والخير والجمال ، التي تكون بمثابة الحاضنة لأفكارهم وإبداعاتهم في الحاضر والمستقبل.



        هل للتربية أثر على الإبداع؟

        إنّ التربية الحقة هي التي تقود إلى الإبداع، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار دورها الفاعل في تربية التلاميذ والطلبة كلهم، انطلاقاً من المقولة التالية:" إن تربية الإبداع ممكنة لأي شخص طبيعي عادي من وجهة نظر عقلية. وتوجد اليوم براهين كثيرة على أن أي شخص عادي يُمكن تطوير الإبداع لديه بقليل أو كثير ، بهذا الاتجاه أو ذاك." ( روشكا، 1989، ص207).
        ونحن حين نذكر التربية، فإننا نعني بذلك التربية الشاملة للفرد عن طريق المؤسسة التربوية والبيت والمجتمع. إذ أن جميع هذه الجهود، يجب أن تتضافر جميعها، وأن تنصهر معاً لتُشكّل قوّة الدفع لأي طفلٍ أو فردٍ في تنمية قدراته والانطلاق بها إلى أقصى درجة.

        ومن أجل ذلك أفرد سعادة (2003) دراسة خاصة حول تدريس مهارات التفكير ومهارات التفكير الإبداعي ، تتضمن مئات الأمثلة التطبيقية، ليستفيد منها المربون، وأولياء الأمور والطلبة على اختلاف المراحل الدراسية التي وصلوا إليها.

        ونحن إذ نُؤكّد على دور المدرسة ، بشكل خاص، فلأنها الحاضنة الرئيسة ، إلى جانب البيت، التي تضع في أعلى قائمة اهتماماتها ، التربية المتكاملة للنشء ، عبر العمل والممارسة ، لأن ذلك هو الأداة الأساسية للتطوير المتكامل للشخصية، عقلياً ونفسياً وجسمياً وانفعالياً واجتماعياً ووجدانياً. وهذا يُؤكّد الأهميّة الكبرى لفعالية الإمكانات التربوية، التعليمية والتعلمية، التي تساعد على تكوين الاستعدادات والخصائص والاهتمامات والإبداعات المختلفة لدى جميع فئات الطلبة.

        ومن أجل ذلك ، يُفترض في النظام التربوي أن يتميّز هو نفسه بالإبداع . أي يواكب العصر المتغير الذي نعيشه، والذي يتطلب من الفرد التسلح بالمهارات والقيم والأخلاق التي تساعده على ممارسة حياته بشكل جيد، وعلى اكتساب المعرفة التي يحتاجها بسهولة ، داخل المؤسسة التربوية وخارجها.

        وهنا يكمن دور المؤسسات التربوية على اختلاف مستوياتها الأكاديمية. بحيث تقوم بإعداد وتشجيع وخلق المناخ الملائم لإذكاء دافعية الطلبة على الإبداع في شتى المجالات. وبأن تتبنى الأساليب الاستكشافية بدلاً من الشرح والتفسير، وبأن تركز على الفهم والتطبيق بدلاً من الحفظ. وبأن تستفيد من التجارب المتراكمة في العالم كافة، وفق منظور بنائي نقدي. وبأن تهتم بتطوير وتكوين الشخصية المبدعة لدى جميع فئات الطلبة، وبتنمية القدرات الإبداعية لديهم نحو ما هو مفيد وذو قيمة. وتنمية مشاعرهم نحو العمل من أجل رفاهية الإنسانية وسعادتها.
        كلنا يعرف أن العديد من المكتشفات والمخترعات يُمكن أن تُستخدم من أجل الإنسان ومصلحته، وفي الوقت ذاته، يُمكن استخدامها من أجل تدميره ووقف تطوره.
فالطاقة النووية مثلاً، يمكن استخدامها من أجل تدمير البشرية، كما يُمكن استخدامها من أجل السلام والصداقة وسعادة البشرية. ( روشكا، 1989، ص 37). ولن يتمّ ذلك إلا إذا توفرت التربية الحقيقية وترسّخ مفهومها النبيل لدى جميع المتعلمين.

ويؤكد الباحثان، كليمان وشيرياك " بأن تطبيق الطرائق الحديثة في التعليم والتعلم، تستلزم من التربوي الهدوء والصبر إزاء النتائج التي يتم الحصول عليها عبر الاكتشاف الموّجه . وبأن تنظيم هذه الطرائق في إطار عمل الجماعات في التعليم والتعلم عبر الاكتشاف، هو تنظيم مُفيد ويمكن تعميمه. ( روشكا،1989، ص 208).

أما التعليم التقليدي، فإنه يُعيق العبقرية ولا يدعمها.
وقد نبهت  حبش (2002،ص9) إلى ضرورة الانتقال من أساليب التعليم التقليدي إلى أساليب حديثه وفعّالة، تساعد كلاً من المعلمين والطلبة على حدّ سواء، فتقول: " لم تعد عملية التعليم / التعلم مجرّد عملية تلقين من جانب المعلم، وحفظ من جانب الطالب. وإنما عملية تواصل وتفكير مشترك بين المعلم والطالب. وإلى تفاعل عميق مع البيئة الخاصة والعامة، القريبة والبعيدة، في الماضي والحاضر والمستقبل".

ويمكن الاستشهاد بألبرت أينشتين. ففي ملاحظاته في سيرته الذاتية كتب، " لقد كان على المرء أن يحشو عقله بكل هذه المواد، سواء كان يحبها أم لا". ( سايمتن،1993، ص105). ثم يُشير إلى أساليب التدريس التي تخنق حبّ الاستطلاع المقدّس لدى الطلبة. ويُضيف، " هذه النبتة الصغيرة الطرية، تحتاج أكثر ما تحتاج إلى الحرية فضلاً عن الحوافز. ومصيرها التلف لا محالة، إن لم تحصل على هذه الحرية. ومن الخطأ القاتل أن نعتقد أن متعة الرؤية والبحث يُمكن أن تتعزّز من خلال وسائل القهر والشعور بالواجب. " (سايمتن،1993، ص105).

وكذلك فقد أشارهبارد (1996)، إلى أن 95% مما تعلمه في المدرسة، كان مجرّد حشو للمعلومات التي لم يستخدمها طيلة حياته. ولذلك، فمن أولويات المؤسسة التربوية الحديثة، أن تهيئ الطلبة، على اختلاف فئاتهم، إلى الحياة وإلى المستقبل . ومن أجل ذلك، يقع على عاتقها أن تعلم الطلبة كيف يتعلمون، وكيف يوظفون ما يتعلمونه في حياتهم الخاصة والعامة.

أما ماتشادو (1989) ، فهو يعتبر أن المهمة الأساسية للدولة هي التربية. وبأن الحكم هو التربية. وليس بالمستطاع أن تكون هناك مهمة للحكومة أعظم شأناً من الكفاح لرفع ذكاء الشعب.

       وقد أشارت حبش( 1998) في كتابها ( تعلم كيف تتعلم بنفسك )، إلى ضرورة أن "نُعلّم التلاميذ كيف يتعلمون . وذلك بأن نُنمي فيهم القدرة على التعلّم الذاتي المستقلّ، الذي يستمرّ معهم مدى الحياة". ومن أجل ذلك، ركزت على المهارات القرائية الأساسية التي تُساعد على التعلم السريع والفعّال لكل ما يريد الطالب أن يتعلمه ويوظفه في حياته.

إن التعليم بمعناه العصري هو التعلّم مدى الحياة، وتمكين الإنسان من خبرات التعلم الذاتي، فقد أصبح من المستحيل أن نُحمّل أبناءنا خزائن  المعلومات المتاحة  لهم . فهذا فوق قدرة أي بشر. وأصبح الخيار الأوحد هو أن نُسلحهم بمفاتيح هذه الخزائن فقط، وأن نُعلمهم طريقة استخلاص المعلومات وطريقة تنظيمها وطريقة توظيفها. ومن أجل ذلك، لا بدّ من تغيير أفكار المعلمين وسلوكياتهم وخبراتهم، وتدريبهم تدريباً جيداً بحيث يتم إعدادهم لمهام ومسؤوليات جديدة ومُتغيرة . ( بهاء الدين 2003).

      إن التربية الحقيقية هي التي تُساعد كل طفل على الارتقاء بقدراته وبذكائه إلى أقصى درجة، وذلك عن طريق إفساح المجال له لاكتساب المهارات والقيم الإنسانية وممارستها والتدرب عليها وتوظيفها في حياته اليومية. وهي التي تكتشف إبداعات الطلبة منذ سن مبكرة، فترعاها، وتُهيئ لها البيئة التي تُساعد على نُموّها. ومن ثم تُشجّعها وتُكافئها وتفخر بها.



        يعتقد البعض أن الافتقار إلى الصحة النفسيّة أو الجسدّية واحدٌ من معوّقات التفكير الإبداعي، وحتى التفكير العادي. حيث ينصبّ تفكير الفرد على نفسه وعلى حاجته للعلاج.
        وهناك من يعتبر أن للمناخ الطبيعي أو البيئة التي يعيش فيها الفرد أثراً سلبياً عليه، إن لم تتوفر فيهما الشروط اللازمة لتنمية مهارات التفكير لديه.
               
        كما أن هناك من يعتقدون أن الوضع الاقتصاديّ أو الاجتماعيّ المتردي، من أهم معوّقات التفكير الإبداعي. وكذلك الحياة في ظلّ القمع وعدم الاستقرار والإحساس بالأمن. أما حالات الرعب والقلق، فهي وحدها تؤدي إلى الارتباك والضغط النفسي.
        كلّ هذه الأمور أو حتى بعضها، كفيل بأن يؤدي إلى عدم التركيز، وإلى التشتت الذهني للأفراد والجماعات.

        كما أن هناك عقبات تواجه التفكير الإبداعي مثل التربية التقليدية السلبية، التي لا تسمح بالاطلاع على ثقافات الآخرين وجهودهم العلمية والأدبية والفنية. ولا تتيح الفرصة لأبنائها للتفكير النشط والإبداع في المجالات المختلفة .

        وأحياناً تكمن مثل هذه العقبات في الشخص نفسه، خاصة إذا اتصف بالكسل والخمول أو الشعور بالنقص، والاعتقاد بالأفكار والآراء البالية، وضعف الثقة بالنفس، والافتقار إلى المرونة، وضعف الحافز الذاتي، وضعف الحساسيه نحو المشكلات والمواقف المختلفة، أو الانشغال الزائد في الأعمال الروتينية المملة. الأمر الذي يساعد على إضعاف الروح الإبداعية، وربما العمل على قتلها ( سعادة 2003).

        وهناك من هم على عكس ذلك تماماً، ممّن يعتقدون أن التفكير الإبداعيّ ينبع من قلب الظروف الصعبة ، التي تجعل الفرد المبدع قادراً على ابتكار الأساليب والوسائل للتخلص من تلك الظروف، أو للتكيّف معها بطرق مدهشة .
        وعلى سبيل المثال، حين أصيب رون هبارد بالشلل التام وشبه العمى، قرّر أطباؤه أنه حالة يائسة لا يُمكن شفاؤها. وبأن الشيء الوحيد الذي ظل سالماً من جسده هو عقله.
        رفض رون هبارد الاستسلام لتقارير الأطباء، وراح يُفكر بالطرق التي تساعده على الشفاء من مرضه.
        واستمرّ في القراءة والبحث ( رغم ضعف نظره الشديد)، إلى أن استطاع أن يساعد نفسه على الشفاء من العاهتين المستعصيتين: الشلل، وضعف النظر.
        وهو لم يكتفِ بشفاء نفسه فحسب، وإنما ساعد الكثيرين من الأشخاص على الشفاء من حالات مشابهة.
        وكلنا يعرف أن بيتهوفن أبدع سيمفونيته التاسعة بعد أن فقد حاسّة السمع.
        وهناك العديد من الحالات التي يُبدع فيها ذوو الإعاقات الجسدية، مُتحدّين إعاقاتهم ومُركّزين على مجالاتٍ يُبدعون فيها.
        إذن ، ما السرّ وراء ذلك؟
       

نحن نقول عادة: الحاجة أمّ الاختراع. إذن حيثما تكون هناك حاجة مُلحّة لاختراع شيء ما يساعد على تلبيتها، أو حيثما يشعر بعض الأفراد بأن لديهم القدرة والرغبة لسدّ تلك الحاجة، يكون هناك إبداعٌ حقيقيّ.

        وفي الوقت نفسه، إذا توفرت البيئة الغنية لجميع الأفراد لأن يُوظّفوا مهارات التفكير لديهم، وإذا وجدوا التشجيع والحوافز والمكافآت والتقدير، سواء كان ذلك بطريقة مادية أو معنوية، فإن ذلك يشحذ تفكيرهم إلى أقصى درجة، ويدفعهم إلى اكتشاف وإنجاز واختراع ما لم يكن يخطر لهم أو لغيرهم على بال .

        وحيث أن حاجتنا لا تقتصر على بضعة أفراد فحسب ليتفوّقوا في بعض مجالات الإبداع ، وإنما إلى شعبٍ مُبدع ومُفكّر. الأمر الذي يتطلب منا كمربين وكحكومة وكأولياء أمور، أن نُهيئ البيئة التي تُساعد على الإبداع لكلّ من الأطفال والراشدين، على حدّ سواء.


17- الشخصية المبدعة

        هل هناك مواصفات خاصة بالشخصية المبدعة؟

        ذكرنا سابقاً أن الذكاء مرتبط بالإبداع . إذن فالمبدع شخص ذكي.
        كما ذكرنا أن الإبداع مرتبط بالقيم والأخلاق. إذن فالمبدع شخص يتحلى بالأخلاق الحميدة والقيم الإنسانية.
        كما ذكرنا أن الإبداع يحتاج إلى العمل الدؤوب والمتواصل. إذن ، فالمبدع  شخص نشيط ومثابر، وهو كذلك ذو ثقة عالية بنفسه، يتحمل المسؤولية، ويبحث دائماً عمّا هو جديد. كما أنه يبتعد عن التقليد والمحاكاة، ويبتكر ما هو أصيل.

والمبدع شخص خلاّق بالمعنى الدقيق للكلمة. قد يستفيد من تجارب الآخرين، إلا أنه يُضيف إليها من ابتكاراته الخاصة. وهو عنيد ومغامر. يحلم  ، ويعمل جهده على تحقيق أحلامه. وهو دائم التفكير ودائم العمل، ولا يثنيه عن الوصول إلى أهدافه أي عائق مهما كان.

        وفي دراسة حول مشاهير المبدعين، تبين أن 90% منهم تميّز بدرجة عالية من الذكاء وحب الاستطلاع، الذي لا يكفّ عن طرح التساؤلات. ( سايمتن ، 1989، ص77).
        ثم إنّ هناك الدافعيّة والرغبة في التفوق والشهرة والتوق للإنجاز والنجاح والفوز.

        أما جيلفورد، فهو يربط بين الشخصية المبدعة وبعض الخصائص، كالمرونة والطلاقة والأصالة والتفكير التباعدي، أي المنطلق. ( روشكا، 1989، ص54)
        بينما يرى غيره أهمية الدافعية والمزاج واستقلالية التفكير.
        كما يرى آخرون أن هناك علاقة كبيرة بين الإبداع والصحة النفسية للشخص المبدع.

        وإذا تتبعنا بعض خصائص المبدعين، فإنهم يقضون ساعاتٍ وربما أياماً متواصلة في العمل. وبأنهم قارئون من الدرجة الأولى.

        أياً كان الأمر، فلا شك أن المبدع يحتاج إلى بيئة تحفزه على الإبداع، وأشخاص يُشجّعونه ويُقدّرون أعماله، ويساعدونه على المضي في أبحاثه وإنجازاته، وعلى نشرها وتعميمها والاستفادة منها.
       وهناك مؤشرات تُساعد أي شخص على الإبداع في مجالٍ من مجالات الحياة المختلفة. منها، الذكاء والثقافة والرغبة في العمل والنشاط المتواصل . وكذلك، الدافعية الداخلية والخارجية. كما تساعد البيئة في تكوين وترسيخ الإبداع، خاصة في البيت والمدرسة. وذلك بإتاحة الفرصة للأطفال للبحث والتجريب والدراسة بشكل مستقلّ أو بشكل جماعي.

        ومن الجدير ذكره أن هناك الشخصية متعددة الإبداعات. وهي الشخصية التي لا تُبدع في مجال واحد فحسب، وإنما في عدّة مجالات في آن واحد. ونحن نطلق عليها الشخصية العبقرية.
        مثال ذلك، ليوناردو دافنشي، الذي كان رساماً ورياضياً وميكانيكياً ومهندساً ومكتشفاً في الفيزياء. ( روشكا، 1989، ص99).
        كما أن هناك كثيراً من العباقرة العرب والمسلمين الذين نبغوا في الطب والفلك والموسيقى والشعر وغيرها من الفنون، مثل : الرازي وابن سينا وابن جني وعمر الخيام وغيرهم.
        ويُمكن أن نستنتج بأن العبقريّ النوعيّ هو ذلك الذي يملك طاقة عالية، وقدرة مُركّبة وغنية في سرعة الانتقال من مجال إلى آخر . ومثل هذا المُركّب هو الذي يقود إلى الإنجاز الإبداعيّ في أكثر من مجال، دون الإقلال من قيمة وثراء المجال الأساسيّ للمبدع. ( روشكا، 1989، ص 102-103).

        وبشكل عام، فإن الشخصية المبدعة أو العبقرية تتسّم بالجرأة في قول الحقيقة ، والشجاعة ، والثقة بالنفس. ولا يهمها أن تجد معارضة لما تُقدّمه من إنجاز أيّاً كان نوعه. فهي تُدرك جيداً أن ما تُقدّمه هو جديد، ويحتاج إلى وقت حتى يدرك الآخرون قيمته وأهميته.

        كما أنّ الشخصيّة المبدعة تتسم بالشعور بالسعادة لما تقوم به من أعمال أياً كانت صعوبتها . وهي مهذبة في التعامل مع الآخرين، وتتصف بالصدق والعدالة ومراعاة القيم الإنسانية، وتتمتع بالروح المرحة، والتفاؤل، وبقدر كبير من الحضور الشخصي.




        كل فرد منا يولد مزوّداً بدماغ إلكترونيّ حيّ، ذي إمكانات لا حدود لها. وكل اختراع أو اكتشاف، ما هو إلا نتيجة لدراسة تأمليّة من أحد الأفراد أو مجموعة من الأفراد الذين لهم القدرة على الإبداع. أما السّر الحقيقيّ، فإنه يكمن في التربية. فالذين أبدعوا ، تعلموا مُسبقاً كيف يُفكرون. وهذا مكمن الإبداع .

        وإذا اجتمع الذكاء مع القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية، فعندئذٍ فقط، تتحقّق العدالة والحرية والسلام والسعادة لجميع البشر.

        ولأهمية الأخلاق في حياتنا جميعاً، خاطب الخالق سبحانه النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، قائلاً: " وإنك لعلى خلقٍ عظيم". صدق الله العظيم. ( آية 4 سورة القلم).
        وهذا ما يجدر بنا جميعاً أن نتّصف به.

        والإنسان المبدع، هو الإنسان الذي يجد سعادة كبيرة في تقديم إنجازاته للآخرين، كهدفٍ نبيلٍ يخدمهم به أو يُمتّعهم ويبعث السعادة إلى قلوبهم.

        والإبداع لا يقتصر على مجالٍ محدّد، وإنما يشمل جميع مجالات الحياة. وهذه المجالات كثيرة ومُتعدّدة، منها الإبداع العلمي والتقني والفني والأدبي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي إلى غير ذلك.

        وإن أي حلّ جديد لمشكلة مُستعصية، يكمن خلفها إبداعٌ ومثابرةٌ وصبرٌ وعملٌ شاقّ ومُتواصل، من أجل الوصول إليه وتحقيقه.

        وما أحوجنا في هذا العصر، إلى أشخاص مُبدعين، لحلّ الصراعات الدامية التي تسود الكرة الأرضية، من أقصاها إلى أقصاها. وما أحوجنا إلى عقول مُبدعة، لتوقف هذا النزيف المتواصل منذ عشرات السنين على هذه الأرض المقدّسة. وما أحوج شعبنا الفلسطيني إلى مُبدعين ذوي أخلاق وقيم إنسانية، ليُطبقوا العدالة، وليساعدوه في الحصول على حقوقه الإنسانية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. ليُمارس حياته بسعادة، وليُساهم بإبداعاته الخلاقة واللامحدودة ، في دفع مركبة التقدم والازدهار الإنسانيّ إلى الأمام.



لكي نساعد أطفالنا وشبابنا على الارتقاء بقدراتهم وإمكاناتهم الإبداعية إلى أعلى درجة، ولكي نساهم في تربية جيل متميّز يستطيع أن يخطو نحو المستقبل بخطوات واثقة، فإنني أتوجه إلى أولياء الأمور وإلى المربين وإلى مؤسساتنا التربوية والوطنية، بالاقتراحات والتوصيات الآتية:

1- استخدام الطرق المبدعة في عملية التعليم/التعلم لجميع المراحل، ابتداء من رياض الأطفال حتى طلبة الدراسات العليا. بحيث يتم التركيز على تعلم المهارات من أجل المستقبل.

2- إتاحة الفرصة لجميع فئات الطلبة لمعرفة: كيف يُفكرون وكيف يتعلمون وكيف يستمتعون بكل ما يتعلمونه، وكيف يُطبقون أساليب تحسين الإبداع وأساليب العصف الذهني واستثارة التفكير الناقد والتفكير الإبداعي. ومن ثمّ مكافأة السلوك الإبداعي للطلبة، وإعلان ذلك في وسائل الإعلام.

3- حث الطلبة على ممارسة مهارات القيادة ،واستراتيجيات التفكير الناقد، والتفكير الإبداعي. وذلك عن طريق تفعيل مهارات التفكير من خلال أساليب التدريس ودمج التفكير في جميع البرامج المدرسية.

4- تشجيع الطلبة على استخدام مهارات القراءة ، والأساليب الفعّالة في التعلم الذاتي المستقل، و استخدام جميع أنماط التكنولوجيا المتوفرة التي تُساعدهم على التعلم مدى الحياة.

5- استمرار تطوير المناهج من أجل تعليم التفكير، وإمكانية الجمع بين استراتيجيات التفكير، والتفاعل مع العديد من المواقف الحياتية. وذلك من خلال إعادة هيكلة المناهج التعليمية في صورة جديدة، تُساعد على تدريب الطلبة على استخدام تطبيقات مهارات التفكير والاستكشاف والمناقشة والتحليل والدفاع عن الآراء والمعتقدات الشخصيّة والعمليات العقلية المعرفية.


6- ضرورة الاهتمام بعمليتي القراءة الإبداعية والكتابة الإبداعية، لأنهما من أعقد الأنشطة العقلية. إذ تتطلب كلٌّ منهما: التمييز السمعي والبصري، حلّ المشكلات ، والتقويم ، وإصدار الأحكام، والتخيّل والإستنتاج، وتوظيف اللغة في مواقف جديدة، للتعبير عن أفكار جديدة، خالية من الأخطاء الإملائية، وغير ذلك مما يتعلق بالنحو والصرف وقواعد اللغة.

7- خلق بيئة تُشجّع على التفكير الناقد، وتخصيص وقت للمناقشة. وإعداد الطلبة ليُصبحوا أصحاب قدرة كبيرة على التفكير الناقد، والقراءة الناقدة. وذلك بتضمين المناهج المدرسية تعيينات خاصّة بذلك، بحيث تشمل الحكم الجيد، واتخاذ القرار الصحيح، والقدرة على تكوين المفاهيم وعمليات التصنيف وتعزيز دور الإبداع. حيث أن تعليم التفكير الناقد يُشجّع الطلبة على التساؤل والبحث والاستفهام والمناقشة والتحليل واكتشاف نقاط القوة والضعف في التفكير، وتقويم المشكلات والعقبات والتعامل معها بعقلية مُتفتحة وناضجة.

8- إعداد برامج تثقيفيّة، وبثّها في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، يتّم التركيز فيها على ممارسة التفكير الإبداعي، وعلى تعزيز المثل العليا والقيم الإنسانية والأخلاقية، التي يكتسبُ منها الصغار والكبار مهارات التفكير الإبداعي والسلوك الجيّد.




1- القرآن الكريم، القدس: مطبعة دار الأيتام الإسلامية الصناعية، 1964.

2-  د. ابراهيم ، عبد الستار. آفاق جديدة في دراسة الإبداع. الكويت: وكالة المطبوعات، 1978.

3- د. بهاء الدين، حسين كامل. مفترق الطرق. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2003.

4- جروان ، فتحي عبد الرحمن . تعليم التفكير: مفاهيم وتطبيقات . العين، دولة الإمارات العربية المتحدة: دار الكتاب الجامعي، (1999)م.

5- حبش، زينب. تعلم كيف تتعلم بنفسك. القدس: اتحاد الكتاب الفلسطينيين، 1998م.

6- حبش، زينب. آفاق تربوية في التعليم والتعلم الإبداعي. رام الله: مؤسسة العنقاء للتجديد والإبداع،2002م.

7- د. حبيب، مجدي عبد الكريم. اتجاهات حديثة في تعليم التفكير. القاهرة: دار الفكر العربي، 2003م.

8- د. حميدة، فاطمة إبراهيم. التفكير الأخلاقي. القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1990.

9- خليل، د. محمد الحاج. تعلم كيف تتعلم سريعاً بالقراءة الفعالة. عمان: دائرة التربية والتعليم لوكالة الغوث الدولية ومعهد التربية/ اليونسكو، 1988

9-   روشكا، الكسندرو. الإبداع العام والخاص . ترجمة : د. غسان عبد الحي أبو فخر. الكويت: عالم المعرفة، 1989م.

11- سايمتن، دين كيث . ترجمة : د. شاكر عبد الحميد. العبقرية والإبداع والقيادة. الكويت: عالم المعرفة، 1993م.

12- د.سعادة،جودت أحمد، وقطامي، يوسف. (أ). " قدرة التفكير الإبداعي لدى طلبة جامعة السلطان قابوس: دراسة ميدانية". سلسلة الدراسات النفسية والتربوية الصادرة عن جامعة السلطان قابوس ، المجلد الأول، العدد الأول ص.ص. 12-53، (1996)م.

13- د. سعادة، جودت أحمد. تدريس مهارات التفكير. رام الله : دار الشروق للنشر والتوزيع، 2003م.

14- د. عبادة، أحمد. قدرات التفكير الابتكاري. القاهرة: مركز الكتاب للنشر، 2005م.

15- قطامي ، نايفة. تعليم التفكير للمرحلة الأساسية. عمان : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، (2005)م.

16-  ماتشادو، لويس البرتو . ترجمة : د. عادل عبد الكريم ياسين. الذكاء حق طبيعي لكل فرد. قبرص: دار الشباب للنشر والترجمة والتوزيع، 1989م.

17- هارت، مايكل. ترجمة : أنيس منصور . الخالدون مائة أعظمهم محمد رسول الله. الاسكندرية: المكتب المصري الحديث، ط6 1985م.

18- وات، سكوت. كيف تضاعف ذكاءك. ترجمة: مكتبة جرير. الرياض: مكتبة جرير، 2005م.

19- ويليامز، ليندا فارلي. التعليم من أجل العقل ذي الجانبين. ترجمة خبراء معهد التربية للأونروا/ اليونسكو. بيروت: مطابع الأونروا، 1987م.


20- Hubbard, L.Ron. Dianetics- Developed Science: L. Ron Hubbard. Bridge Publication, Inc. , India 2002

21- Hubbard, L.Ron. Humanitarian Education. Los Angeles: L. Ron Hu bbard library, 1996.









http://www.zeinab-habash.ws/images/buttomname.jpg



تم تصميم هذا الموقع سنة 2002 
تم تجديد الموقع سنة 2012 
حقوق الطبع لجميع صفحات هذا الموقع محفوظة لزينب حبش 2012 ©